ما المفصل؟ قال: اللسان، قال: عد علي أحدثك. وكان الزهري يتمثل كثيرا بهذا:
ذهب الشباب فلا يعود جمانا * وكأن ما قد كان لم يك كانا فطويت كفي يا جمان على العصا * وكفى جمان بطيها حدثانا وكان نقش خاتم الزهري: محمد يسأل الله العافية. وقيل لابن أخي الزهري: هل كان عمك يتطيب؟ قال: كنت أشم ريح المسك من سوط دابة الزهري. وقال: استكثروا من شئ لا تمسه النار، قيل: وما هو؟ قال: المعروف. وامتدحه رجل مرة فأعطاه قميصه، فقيل له:
أتعطي على كلام الشيطان؟ فقال: إن من ابتغاء الخير اتقاء الشر. وقال سفيان: سئل الزهري عن الزاهد فقال: من لم يمنع الحلال شكره، ولم يغلب الحرام صبره. وقال سفيان: قالوا للزهري: لو أنك الآن في آخر عمرك أقمت بالمدينة، فقعدت إلى مسجد رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، ودرجت وجلسنا إلى عمود من أعمدته فذكرت الناس وعلمتهم؟ فقال: لو أني فعلت ذلك لوطئ عقبي، ولا يبغي لي أن أفعل ذلك حتى أزهد في الدنيا وأرغب في الآخرة. وكان الزهري يحدث أنه هلك في جبال بيت المقدس بضعة وعشرون نبيا، ماتوا من الجوع والعمل. كانوا لا يأكلون إلا ما عرفوا، ولا يلبسون إلا ما عرفوا وكان يقول: العبادة هي الورع والزهد، والعلم هو الحسنة، والصبر هو احتمال المكاره، والدعوة إلى الله على العمل الصالح.
وممن توفي في خلافة هشام بن عبد الملك ما أورده ابن عساكر:
بلال بن سعد ابن تميم السكوني أبو عمرو، وكان من الزهاد الكبار، والعباد الصوام القوام، روى عن أبيه وكان أبوه له صحبة، وعن جابر وابن عمر وأبي الدرداء وغيرهم، وعنه جماعات منهم أبو عمر الأوزاعي وكان الأوزاعي يكتب عنه ما يقوله من الفوائد العظيمة في قصصه ووعظه، وقال: ما رأيت واعظا قط مثله. وقال أيضا: ما بلغني عن أحد من العبادة ما بلغني عنه، كان يصلي في اليوم والليلة ألف ركعة. وقال غيره وهو الأصمعي: كان إذا نعس في ليل الشتاء ألقى نفسه في ثيابه في البركة، فعاتبه بعض أصحابه في ذلك فقال: إن ماء البركة أهون من عذاب جهنم. وقال الوليد بن مسلم: كان إذا كبر في المحراب سمعوا تكبيره من الأوزاع. قلت: وهي خارج باب الفراديس.
وقال أحمد بن عبد الله العجلي: هو شامي تابعي ثقة. وقال أبو زرعة الدمشقي: كان أحد العلماء قاصا حسن القصص، وقد اتهمه رجاء بن حياة بالقدر حتى قال بلال يوما في وعظه: رب مسرور مغرور، ورب مغرور لا يشعر، فويل لمن له الويل وهو لا يشعر، يأكل ويشرب، ويضحك، وقد حق عليه في قضاء الله أنه من أهل النار، فيا ويل لك روحا، يا ويل لك جسدا، فلتبك ولتبك عليك البواكي لطول الأبد.