فلا أنت في النوام يوما بسالم * ولا أنت في الايقاظ يقظان حازم وروى ابن أبي الدنيا بسنده عن فاطمة بنت عبد الملك قالت: انتبه عمر ذات ليلة وهو يقول:
لقد رأيت الليلة رؤيا عجيبة، فقلت: أخبرني بها، فقال: حتى نصبح، فلما صلى بالمسلمين دخل فسألته فقال: رأيت كأني دفعت إلى أرض خضراء واسعة كأنها بساط أخضر وإذا فيها قصر كأنه الفضة فخرج منه خارج فنادى أين محمد بن عبد الله، أين رسول الله؟ إذ أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى دخل ذلك القصر، ثم خرج آخر فنادى: أين أبو بكر الصديق؟ فأقبل فدخل، ثم خرج آخر فنادى أين عمر بن الخطاب؟ فأقبل فدخل، ثم خرج آخر فنادى أين عثمان بن عفان؟ فأقبل فدخل، ثم خرج آخر فنادى أين علي بن أبي طالب؟ فأقبل فدخل، ثم خرج آخر فنادى أين عمر بن عبد العزيز؟ فقمت فدخلت فجلست إلى جانب عمر بن الخطاب، وهو عن يسار رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر عن يمينه، وبينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل، فقلت: لأبي: من هذا؟
قال: هذا عيسى بن مريم، ثم سمعت هاتفا يهتف بيني وبينه نور لا أراه، وهو يقول: يا عمر بن عبد العزيز تمسك بما أنت عليه، وأثبت على ما أنت عليه، ثم كأنه أذن لي في الخروج فخرجت، فالتفت فإذا عثمان بن عفان وهو خارج من القصر وهو يقول: الحمد لله الذي نصرني ربي، وإذا علي في إثره وهو يقول: الحمد لله الذي غفر لي ربي.
فصل وقد ذكرنا في دلائل لنبوة الحديث الذي رواه أبو داود في سننه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها أمر دينها ". فقال جماعة من أهل العلم منهم أحمد بن حنبل فيما ذكره ابن الجوزي وغيره: إن عمر بن عبد العزيز كان على رأس المائة الأولى، وإن كان هو أولى من دخل في ذلك وأحق، لامامته وعموم ولايته، وقيامه واجتهاده في تنفيذ الحق، فقد كانت سيرته شبيهة بسيرة عمر بن الخطاب، وكان كثيرا ما تشبه به. وقد جمع الشيخ أبو الفرج بن الجوزي سيرة لعمر بن الخطاب وعمر بن عبد العزيز، وقد أفادنا سيرة عمر بن الخطاب في مجلد على حدة، ومسنده في مجلد ضخم، وأما سيرة عمر بن عبد العزيز فقد ذكرنا منها طرفا صالحا هنا، يستدل به على ما لم نذكره.
وقد كان عمر رحمه الله يعطي من انقطع إلى المسجد الجامع من بلده وغيرها، للفقه ونشر العلم وتلاوة القرآن، في كل عام من بيت المال مائة دينار، وكان يكتب إلى عماله أن يأخذوا بالسنة، ويقول: إن لم تصلحهم السنة فلا أصلحهم الله، وكتب إلى سائر البلاد أن لا يركب ذمي من اليهود والنصارى وغيرهم على سرج، ولا يلبس قباء ولا طيلسانا ولا السراويل، ولا يمشين أحد منهم إلا بزنار من جلد، وهو مقرون الناصية، ومن وجد منهم في منزله سلاح أخذ منه. وكتب أيضا أن لا