وقد ساق ابن عساكر شيئا حسنا من كلامه في مواعظه البليغة، فمن ذلك قوله: والله لكفى به ذنبا أن الله يزهدنا في الدنيا ونحن نرغب فيها، زاهدكم راغب، وعالمكم جاهل، ومجتهدكم مقصر. وقال أيضا: أخ لك كلما لقيك ذكرك بنصيبك من الله، وأخبرك بعيب فيك، أحب إليك، وخير لك من أخ كلما لقيك وضع في كفك دينارا. وقال أيضا: لا تكن وليا لله في العلانية وعدوه في السر ولا تكن عدو إبليس والنفس والشهوات في العلانية وصديقهم في السر، ولا تكن ذا وجهين وذا لسانين فتظهر للناس أنك تخشى الله ليحمدوك وقلبك فاجر. وقال أيضا: أيها الناس إنكم لم تخلقوا للفناء وإنما خلقتم للبقاء، ولكنكم تنتقلون من دار إلى دار، كما نقلتم من الأصلاب إلى الأرحام، ومن الأرحام إلى الدنيا، ومن الدنيا إلى القبور، ومن القبور إلى الموقف، ومن الموقف إلى الجنة والنار. وقال أيضا: عباد الرحمن: إنكم تعملون في أيام قصار لأيام طوال، وفي دار زوال إلى دار مقام، وفي دار حزن ونصب لدار نعيم وخلود، فمن لم يعمل على يقين فلا تنفعن، عباد الرحمن لو قد غفرت خطاياكم الماضية لكان فيما تستقبلون لكم شغلا، ولو عملتم بما تعلمون لكان لكم مقتدا وملتجأ، عباد الرحمن أماما وكلتم به فتضيعونه، وأما ما تكفل الله لكم به فتطلبونه، ما هكذا نعت الله عباده الموقنين، أذوو عقول في الدنيا وبله في الآخرة، وعمي عما خلقتم له بصراء في أمر الدنيا؟
فكما ترجون رحمة الله بما تؤدون من طاعته، فكذلك اشفقوا من عذابه بما تنتهكون من معاصيه، عباد الرحمن! هل جاءكم مخبر يخبركم أن شيئا من أعمالكم قد تقبل منكم؟ أو شيئا من خطاياكم قد غفر لكم؟ (أم حسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون) [المؤمنون: 116] والله لو عجل لكم الثواب في الدنيا لاستقللتم ما فرض عليكم. أترغبون في طاعة الله لدار معمورة بالآفات؟ ولا ترغبون وتنافسون في جنة أكلها دائم وظلها، وعرضها عرض الأرض والسماوات (تلك عقبى الذين اتقوا وعقبى الكافرين النار) [الرعد: 35] وقال أيضا: الذكر ذكران ذكر الله باللسان حسن جميل، وذكر الله عندما أحل وحرم أفضل. عباد الرحمن يقال لاحدنا: تحب أن تموت؟ فيقول: لا! فيقال له: لم؟ فيقول: حتى أعمل، فيقال له: اعمل، فيقول سوف أعمل، فلا تحب أن تموت، ولا تحب أن تعمل، وأحب شئ إليه يحب أن يؤخر عمل الله، ولا يحب أن يؤخر الله عنه عرض دنياه. عباد الرحمن إن العبد ليعمل الفريضة الواحدة من فرائض الله وقد أضاع ما سواها، فما يزال يمنيه الشيطان ويزين له حتى ما يرى شيئا دون الجنة، مع إقامته على معاصي الله. عباد الرحمن قبل أن تعملوا أعمالكم فانظروا ماذا تريدون بها، فإن كانت خالصة فامضوها وإن كانت لغير الله فلا تشقوا على أنفسكم، فإن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان له خالصا، فإنه قال (إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه) [فاطر: 10] وقال أيضا:
إن الله ليس إلى عذابكم بالسريع، يقبل المقبل ويدعو المدبر، وقال أيضا: إذا رأيت الرجل متحرجا لحوحا مماريا معجبا برأيه فقد تمت خسارته. وقال الأوزاعي: خرج الناس بدمشق يستسقون فقام بهم بلال بن سعد فقال: يا معشر من حضر! ألستم مقرين بالإساءة؟ قالوا: نعم، فقال: اللهم