الزهري: مكثت خمسا وأربعين سنة أختلف من الحجاز إلى الشام، ومن الشام إلى الحجاز، فما كنت أسمع حديثا أستطرفه. وقال الليث: ما رأيت عالما قط أجمع من ابن شهاب، ولو سمعته يحدث في الترغيب والترهيب لقلت: ما يحسن غير هذا، وإن حدث عن الأنبياء وأهل الكتاب قلت لا يحسن إلا هذا، وإن حدث عن الاعراب والأنساب قلت: لا يحسن إلا هذا، وإن حدث عن القرآن والسنة كان حديثه بدعا جامعا، وكان يقول: اللهم إني أسألك من كل خير أحاط به علمك وأعوذ بك من كل شر أحاط به علمك في الدنيا والآخرة. قال الليث: وكان الزهري أسخى من رأيت، يعطي كل من جاء وسأله، حتى إذا لم يبق عنده شئ استسلف. وكان يطعم الناس الثريد ويسقيهم العسل، وكان يستمر على شراب العسل كما يستمر أهل الشراب على شرابهم، ويقول اسقونا وحدثونا، فإذا نعس أحدهم يقول له: ما أنت من سمار قريش، وكانت له قبة معصفرة، وعليه ملحفة معصفرة، وتحته بساط معصفر، وقال الليث: قال يحيى بن سعد: ما بقي عند أحد من العلم ما بقي عند ابن شهاب.
وقال عبد الرزاق: أنبأ معمر قال: قال عمر بن عبد العزيز: عليكم بابن شهاب فإنه ما بقي أحد أعلم بسنة ماضية منه، وكذا قال مكحول. وقال أيوب: ما رأيت أحدا أعلم من الزهري، فقيل له: ولا الحسن؟ فقال: ما رأيت أعلم من الزهري، وقيل لمكحول: من أعلم من لقيت؟
قال: الزهري، قيل: ثم من؟ قال: الزهري. قيل: ثم من؟ قال الزهري: وقال مالك: كان الزهري إذا دخل المدينة لم يحدث بها أحدا حتى يخرج. وقال عبد الرزاق عن ابن عيينة: محدثو أهل الحجاز ثلاثة، الزهري ويحيى بن سعيد وابن جريج. وقال علي بن المديني: الذين أفتوا أربعة، الزهري، والحكم، وحماد وقتادة، والزهري أفقههم عندي. وقال الزهري: ثلاثة إذا كن في القاضي فليس بقاض إذا كره الملاوم وأحب المحامد، وكره العزل. وقال أحمد بن صالح: كان يقال فصحاء زمانهم الزهري وعمر بن عبد العزيز وموسى بن طلحة وعبيد الله، رحمهم الله. وقال مالك عن الزهري: أنه قال: إن هذا العلم الذي أدب الله به رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وأدب رسول الله به أمته أمانة الله إلى رسوله ليؤديه على ما أدي إليه، فمن سمع علما فليجعله أمامه حجة فيما بينه وبين الله عز وجل.
وقال محمد بن الحسين عن يونس عن الزهري قال: الاعتصام بالستة نجاة، وقال الوليد عن الأوزاعي عن الزهري قال: أمروا أحاديث رسول الله (صلى الله عليه وسلم) كما جاءت. وقال محمد بن إسحاق عن الزهري: إن من غوائل العلم أن يترك العالم حتى يذهب علمه، وفي رواية أن يترك العالم العمل بالعلم حتى يذهب، فإن من غوائله قلة انتفاع العالم بعلمه، ومن غوائله النسيان والكذب، وهو أشد الغوائل. وقال أبو زرعة عن نعيم بن حماد، عن محمد بن ثور، عن معمر، عن الزهري قال: القراءة على العالم والسماع عليه سواء إن شاء الله تعالى.