دين الرسل عموما، ودين محمد صلى الله عليه وسلم خصوصا، ومن خالف في هذا الأصل كان عندهم ملحدا مذموما، ليسوا كالنصارى الذين ابتدعوا دينا ما قام به أكابر علمائهم وعبادهم وقاتل عليه ملوكهم، ودان به جمهورهم، وهو دين مبتدع ليس هو دين المسيح، ولا دين غيره من الأنبياء، والله سبحانه أرسل رسله بالعلم النافع، والعمل الصالح، فمن اتبع الرسل حصل له سعادة الدنيا والآخرة، وإنما دخل في البدع من قصر في اتباع الأنبياء علما وعملا * ولما بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم بالهدى ودين الحق، تلقى ذلك عنه المسلمون [من أمته]، فكل علم نافع وعمل صالح عليه أمة محمد، أخذوه عن نبيهم كما ظهر لكل عاقل أن أمته أكمل الأمم في جميع الفضائل، العلمية والعملية، ومعلوم أن كل كمال في الفرع المتعلم هو في الأصل المعلم، وهذا يقتضي أنه عليه السلام كان أكمل الناس علما ودينا * وهذه الأمور توجب العلم الضروري بأنه كان صادقا في قوله: " إني رسول الله إليكم جميعا " لم يكن كاذبا مفتريا، فإن هذا القول لا يقوله إلا من هو من خيار الناس وأكملهم، إن كان صادقا، أو من هو من أشر الناس وأخبثهم إن كان كاذبا، وما ذكر من كمال علمه ودينه يناقض الشر والخبث والجهل، فتعين أنه متصف بغاية الكمال في العلم والدين، وهذا يستلزم أنه كان صادقا في قوله: * (إني رسول الله إليكم جميعا) * [الأعراف: 158] لان الذي لم يكن صادقا إما أن يكون متعمدا للكذب أو مخطئا والأول يوجب أنه كان ظالما غاويا، والثاني يقتضي أنه كان جاهلا ضالا، ومحمد صلى الله عليه وسلم كان عمله ينافي جهله، وكمال دينه ينافي تعمد الكذب، فالعلم بصفاته يستلزم العلم بأنه لم يكن يتعمد الكذب ولم يكن جاهلا يكذب بلا علم، وإذا انتفى هذا وذاك تعين أنه كان صادقا عالما بأنه صادق ولهذا نزهه الله عن هذين الامرين بقوله تعالى: * (والنجم إذا هوى، ما ضل صاحبكم وما غوى، وما ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى) * [النجم: 1 - 4] وقال تعالى عن الملك الذي جاء به:
* (إنه لقول رسول كريم ذي قوة عند ذي العرش مكين مطاع ثم أمين) * [التكوير: 19 - 21] ثم قال عنه: * (وما صاحبكم بمجنون: ولقد رآه بالأفق المبين وما هو على الغيب بضنين، وما هو بقول شيطان رجيم، فأين تذهبون، إن هو إلا ذكر للعالمين) * [التكوير: 22 - 27] وقال تعالى * (وإنه لتنزيل رب العالمين، نزل به الروح الأمين، على قلبك لتكون من المنذرين، بلسان عربي مبين) * [الشعراء: 192 - 195] إلى قوله: * (هل أنبئكم على من تنزل الشياطين، تنزل على كل أفاك أثيم، يلقون السمع وأكثرهم كاذبون) * [الشعراء: 221 - 223] بين سبحانه أن الشيطان إنما ينزل على من يناسبه ليحصل به غرضه، فإن الشيطان يقصد الشر، وهو الكذب والفجور، ولا يقصد الصدق والعدل، فلا يقترن إلا بمن فيه كذب إما عمدا وإما خطأ وفجورا أيضا فإن الخطأ في الدين هو من الشيطان أيضا: كما قال ابن مسعود لما سئل عن مسألة: أقول فيها برأي فإن يكن صوابا فمن الله، وأن يكن خطأ فمني ومن الشيطان: والله ورسوله بريئان منه، فإن رسول الله برئ من تنزل الشياطين عليه في العمد والخطأ، بخلاف غير الرسول فإنه قد