خرجوا من عند أهاليهم حتى رجعوا، لا يتكلفون زادا ولا مزادا * فهذه حال ولي من هذه الأمة نزل عليه وعلى أصحابه مائدة كل يوم مرتين مع ما يضاف إليها من الماء والعلوفة لدواب أصحابه.
وهذا اعتناء عظيم، وإنما نال ذلك ببركة متابعته لهذا النبي الكريم عليه أفضل الصلاة والتسليم * وأما قوله في عيسى بن مريم عليه السلام: إنه قال لبني إسرائيل * (وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم) * الآية، [آل عمران: 49] فهذا شئ يسير على الأنبياء، بل وعلى كثير من الأولياء، وقد قال يوسف الصديق لذينك الفتيين المحبوسين معه: * (لا يأتيكما طعام ترزقانه إلا نبأتكما بتأويله قبل أن يأتيكما ذلكما مما علمني ربي) * الآية. [يوسف: 37] وقد أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالاخبار الماضية طبق ما وقع وعن الاخبار الحاضرة سواء بسواء كما أخبر عن أكل الأرضة لتلك الصحيفة الظالمة التي كانت بطون قريش قديما كتبتها على مقاطعة بني هاشم وبني المطلب حتى يسلموا إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكتبوا بذلك صحيفة وعلقوها في سقف الكعبة، فأرسل الله الأرضة فأكلتها إلا مواضع اسم الله تعالى، وفي رواية: فأكلت اسم الله منها تنزيها لها أن تكون مع الذي فيها من الظلم والعدوان، فأخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم عمه أبا طالب وهم بالشعب، فخرج إليهم أبو طالب وقال لهم عما أخبرهم به، فقالوا: إن كان كما قال وإلا فسلموه إلينا، فقالوا:
نعم، فأنزلوا الصحيفة فوجدوها كما أخبر عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم سواء بسواء، فأقلعت بطون قريش عما كانوا عليه لبني هاشم وبني المطلب، وهدى الله بذلك خلقا كثيرا، وكم له مثلها كما تقدم بسطه وبيانه في مواضع من السيرة وغيرها ولله الحمد والمنة * وفي يوم بدر لما طلب من العباس عمه فداء ادعى أنه لا مال له، فقال له: فأين المال الذي دفنته أنت وأم الفضل تحت أسكفة الباب، وقلت لها: إن قتلت فهو للصبية؟ فقال: والله يا رسول الله إن هذا شئ لم يطلع عليه غيري وغير أم الفضل إلا الله عز وجل * وأخبر بموت النجاشي يوم مات وهو بالحبشة، وصلى عليه، وأخبر عن قتل الامراء يوم مؤتة واحدا بعد واحد وهو على المنبر وعيناه تذرفان، وأخبر عن الكتاب الذي أرسل به حاطب بن بلتعة مع شاكر مولى بني عبد المطلب، وأرسل في طلبها عليا والزبير والمقداد، فوجدوها قد جعلته في عقاصها، وفي رواية في حجزتها، وقد تقدم ذلك في غزوة الفتح، وقال لأميري كسرى اللذين بعث بهما نائب اليمن لكسرى ليستعلما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن ربي قد قتل الليلة ربكما، فأرخا تلك الليلة، فإذا كسرى قد سلط الله عليه ولده فقتله، فأسلما وأسلم نائب اليمن، وكان سبب ملك اليمن لرسول الله صلى الله عليه وسلم * وأما إخباره صلى الله عليه وسلم عن الغيوب المستقبلة فكثيرة جدا كما تقدم بسط ذلك، وسيأتي في أنباء التواريخ ليقع ذلك طبق ما كان سواء * وذكر ابن حامد في مقابلة جهاد عيسى عليه الصلاة والسلام جهاد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي مقابلة زهد عيسى عليه الصلاة والسلام، زهادة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كنوز الأرض حين عرضت عليه فأباها، وقال، أجوع يوما وأشبع يوما وأنه كان له ثلاث عشرة زوجة يمضي عليهن الشهر والشهران لا توقد عندهن نار ولا مصباح إنما هو الأسودان التمر والماء، وربما ربط على بطنه الحجر الجوع، وما شبعوا من خبز