وأرخى النبي صلى الله عليه وسلم الحجاب فلم يقدر عليه حتى مات صلى الله عليه وسلم. ورواه مسلم من حديث عبد الصمد بن عبد الوارث عن أبيه به. فهذا أوضح دليل على أنه عليه السلام لم يصل يوم الاثنين صلاة الصبح مع الناس، وأنه كان قد انقطع عنهم لم يخرج إليهم ثلاثا. قلنا فعلى هذا يكون آخر صلاة صلاها معهم الظهر كما جاء مصرحا به في حديث عائشة المتقدم، ويكون ذلك يوم الخميس لا يوم السبت ولا يوم الأحد كما حكاه البيهقي عن مغازي موسى بن عقبة وهو ضعيف، ولما قدمنا من خطبته بعدها ولأنه انقطع عنهم يوم الجمعة، والسبت، والأحد، وهذه ثلاثة أيام كوامل. وقال الزهري عن أبي بكر بن أبي سبرة. أن أبا بكر صلى بهم سبع عشرة صلاة. وقال غيره عشرين صلاة فالله أعلم. ثم بدا لهم وجهه الكريم صبيحة يوم الاثنين فودعهم بنظرة كادوا يفتتنون بها ثم كان ذلك آخر عهد جمهورهم به ولسان حالهم يقول كما قال بعضهم:
وكنت أرى كالموت من بين ساعة * فكيف ببين كن موعده الحشر والعجب أن الحافظ البيهقي أورد هذا الحديث من هاتين الطريقين. ثم قال ما حاصله:
فلعله عليه السلام احتجب عنهم في أول ركعة ثم خرج في الركعة الثانية فصلى خلف أبي بكر، كما قال عروة وموسى بن عقبة. وخفي ذلك على أنس بن مالك أو أنه ذكر بعض الخبر وسكت عن آخره. وهذا الذي ذكره أيضا بعيد جدا لان أنسا قال: فلم يقدر عليه حتى مات. وفي رواية قال: فكان ذلك آخر العهد به. وقول الصحابي مقدم على قول التابعي والله أعلم. والمقصود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم أبا بكر الصديق إماما للصحابة كلهم في الصلاة التي هي أكبر أركان الاسلام العملية. قال الشيخ أبو الحسن الأشعري: وتقديمه له أمر معلوم بالضرورة من دين الاسلام. قال:
وتقديمه له دليل على أنه أعلم الصحابة وأقرؤهم لما ثبت في الخبر المتفق على صحته بين العلماء. أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة، فإن كانوا في السنة سواء فأكبرهم سنا، فإن كانوا في السن سواء فأقدمهم مسلما قلت: وهذا من كلام الأشعري رحمه الله مما ينبغي أن يكتب بماء الذهب ثم قد اجتمعت هذه الصفات كلها في الصديق رضي الله عنه وأرضاه وصلاة الرسول صلى الله عليه وسلم خلفه في بعض الصلوات كما قدمنا بذلك الروايات الصحيحة لا ينافي ما روي في الصحيح أن أبا بكر ائتم به عليه السلام لان ذلك في صلاة أخرى كما نص على ذلك الشافعي وغيره من الأئمة رحمهم الله عز وجل.
فائدة: استدل مالك والشافعي وجماعة من العلماء ومنهم البخاري بصلاته عليه السلام قاعدا وأبو بكر مقتديا به قائما والناس بأبي بكر على نسخ قوله عليه السلام في الحديث المتفق عليه حين صلى ببعض أصحابه قاعدا. وقد وقع عن فرس فجحش شقة فصلوا وراءه قياما فأشار إليهم أن اجلسوا فلما انصرف. قال: كذلك والذي نفسي بيده تفعلون كفعل فارس والروم يقومون على عظمائهم وهم جلوس. وقال إنما جعل الامام ليؤتم به فإذا كبر فكبروا، وإذا ركع فاركعوا، وإذا