البيت واختصموا. فمنهم من يقول قربوا يكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده. ومنهم من يقول غير ذلك. فلما أكثروا اللغو والاختلاف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قوموا. قال عبيد الله، قال: ابن عباس إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب لاختلافهم ولغطهم (1). ورواه مسلم عن محمد بن رافع وعبد بن حميد كلاهما عن عبد الرزاق بنحوه. وقد أخرجه البخاري في مواضع من صحيحه من حديث معمر ويونس عن الزهري به. وهذا الحديث مما قد توهم به بعض الأغبياء من أهل البدع من الشيعة وغيرهم كل مدع أنه كان يريد أن يكتب في ذلك الكتاب ما يرمون إليه من مقالاتهم، وهذا هو التمسك بالمتشابه. وترك المحكم وأهل السنة يأخذون بالمحكم. ويردون ما تشابه إليه، وهذه طريقة الراسخين في العلم كما وصفهم الله عز وجل في كتابه، وهذا الموضع مما زل فيه أقدام كثير من أهل الضلالات، وأما أهل السنة فليس لهم مذهب إلا اتباع الحق يدورون معه كيفما دار، وهذا الذي كان يريد عليه الصلاة والسلام أن يكتبه قد جاء في الأحاديث الصحيحة التصريح بكشف المراد منه. فإنه قد قال الإمام أحمد: حدثنا مؤمل، ثنا نافع، عن ابن عمرو ثنا ابن أبي مليكة، عن عائشة. قالت لما كان وجع رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قبض فيه قال " ادعوا لي أبا بكر وابنه لكي لا يطمع في أمر أبي بكر طامع ولا يتمناه متمن. ثم قال: يأبى الله ذلك والمؤمنون ". مرتين. قالت عائشة: فأبى الله ذلك والمؤمنون، انفرد به أحمد من هذا الوجه وقال أحمد: حدثنا أبو معاوية، ثنا عبد الرحمن بن أبي بكر القرشي، عن ابن أبي مليكة عن عائشة. قالت لما ثقل رسول الله قال لعبد الرحمن بن أبي بكر: " ائتني بكتف أو لوح حتى أكتب لأبي بكر كتابا لا يختلف عليه أحد، فلما ذهب عبد الرحمن ليقوم. قال: " أبى الله والمؤمنون أن يختلف عليك يا أبا بكر " انفرد به أحمد من هذا الوجه أيضا. وروى البخاري: عن يحيى بن يحيى، عن سليمان بن بلال، عن يحيى بن سعيد، عن القاسم بن محمد عن عائشة. قالت: قال رسول الله: لقد هممت أن أرسل إلى أبي بكر وابنه فأعهد أن يقول القائلون أو يتمنى متمنون.
فقال: يأبى الله - أو يدفع المؤمنون أو يدفع الله ويأبى المؤمنون. وفي صحيح البخاري ومسلم من حديث إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن محمد بن جبير بن مطعم، عن أبيه. قال: أتت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمرها أن ترجع إليه. فقالت: أرأيت إن جئت ولم أجدك - كأنها تقول الموت - قال:
" إن لم تجديني فأت أبا بكر ". والظاهر والله أعلم أنها إنما قالت ذلك له عليه السلام في مرضه الذي مات فيه صلوات الله وسلامه عليه، وقد خطب عليه الصلاة والسلام في يوم الخميس قبل أن يقبض عليه السلام بخمس أيام خطبة عظيمة بين فيها فضل الصديق من سائر الصحابة مع ما كان قد نص عليه أن يؤم الصحابة أجمعين كما سيأتي بيانه مع حضورهم كلهم. ولعل خطبته هذه كانت عوضا عما أراد أن يكتبه في الكتاب، وقد اغتسل عليه السلام بين يدي هذه الخطبة الكريمة فصبوا عليه من سبع قرب لم تحلل أوكيتهن وهذا من باب الاستشفاء بالسبع كما وردت بها الأحاديث في