وأمر قوادا من قواد غلمانه السودان بالقصد لها من نهر أبى شاكر ففعل كل فريق ما أمر به ونذر الزنج بمسير الجيوش إليهم فنهضوا في وجوههم واستعرت الحرب وغلظت فأمد الفاجر أصحابه وكان المهلبي وانكلاى وسليمان بن جامع في جميع أصحابهم بعد أن تكاملوا ووافتهم أمداد الخبيث بهذه السوق يحامون عنها ويحاربون فيها أشد حرب وقد كان أصحاب الموفق في أول خروجهم إلى هذا الموضع وصلوا إلى طرف من أطراف هذه السوق فأضرموه نارا فاحترق فاتصلت النار بأكثر السوق فكان الفريقان يتحاربون والنار محيطة بهم ولقد كان ما علا من ظلال يحترق فيقع على رؤوس المقاتلة فربما أحرق بعضهم وكانت هذه حالهم إلى مغيب الشمس وإقبال الليل ثم تحاجزوا وانصرف الموفق وأصحابه إلى سفنهم ورجع الفسقة إلى طاغيتهم بعد أن احترق السوق وجلا عنها أهلها ومن كان فيها من تجار عسكر الخائن وسوقتهم فصاروا في أعلى مدينته بما تخلصوا به من أموالهم وأمتعتهم وقد كانوا تقدموا في نقل جل تجارتهم وبضائعهم من هذه السوق خوفا من مثل الذي نالهم في اليوم الذي أظفر الله فيه الموفق بدار الهمداني وهيأ له إحراق ما أحرق حولها ثم إن الخبيث فعل في الجانب الشرقي من حفر الخنادق وتعوير الطرق ما كان فعل في الجانب الغربي بعد هذه الوقعة واحتفر خندقا عريضا من حد جوى كور إلى نهر الغربي وكان أكثر عنايته بتحصين ما بين دار الكرنبائي إلى النهر المعروف بجوى كور لأنه كان في هذا الموضع حل منازل أصحابه ومساكنهم وكان من حد جوى كور إلى نهر الغربي بساتين ومواضع قد أخلوها والسور والخندق محيطان بها وكانت الحرب إذا وقعت في هذا الموضع قصدوا من موضعهم إليه للمحاماة عنه والمنع منه فرأى الموفق عند ذلك أن يخرب باقي السور إلى نهر الغربي ففعل ذلك بعد حرب طويلة في مدة بعيدة وكان الفاسق في الجانب الشرقي من نهر الغربي في عسكر فيه جمع من الزنج وغيرهم متحصنين بسور منيع وخنادق وهم أجلد أصحاب الخبيث وشجعانهم فكانوا يحامون عما قرب من سور نهر الغربي وكانوا يخرجون في ظهور أصحاب
(١١٩)