قال ابن لهيعة: فارس والروم قريش العجم، وقد روي عن النبي، صلى الله عليه وسلم، أنه قال:
أبعد الناس إلى الاسلام الروم ولو كان الاسلام معلقا بالثريا لتناولته فارس، وكانت أرض فارس قديما قبل الاسلام ما بين نهر بلخ إلى منقطع أذربيجان وأرمينية الفارسية إلى الفرات إلى برية العرب إلى عمان ومكران وإلى كابل وطخارستان وهذا صفوة الأرض وأعدلهما فيما زعموا، وفارس خمس كور: إصطخر وسابور وأردشير خره ودارابجرد وأرجان، قالوا:
وهي مائة وخمسون فرسخا طولا ومثلها عرضها، وأما فتح فارس فكان بدؤه أن العلاء الحضرمي عامل أبي بكر ثم عامل عمر على البحرين وجه عرفجة بن هرثمة البارقي في البحر فعبره إلى أرض فارس ففتح جزيرة مما يلي فارس فأنكر عمر ذلك لأنه لم يستأذنه وقال: غررت المسلمين، وأمره أن يلحق بسعد بن أبي وقاص بالكوفة لأنه كان واجدا على سعد فأراد قمعه بتوجهه إليه على أكره الوجوه، فسار نحوه، فلما بلغ ذا قار مات العلاء الحضرمي وأمر عمر عرفجة بن هرثمة أن يلحق بعتبة بن فرقد السلمي بناحية الجزيرة ففتح الموصل وولى عمر، رضي الله عنه، عثمان بن أبي العاصي الثقفي على البحرين وعمان فدوخها واتسقت له طاعة أهلها، فوجه أخاه الحكم بن أبي العاصي في البحر إلى فارس في جيش عظيم ففتح جزيرة لافت وهي جزيرة بركاوان ثم سار إلى توج، ففتحها كما نذكره في توج، واتسق فتح فارس كلها في أيام عثمان بن عفان نذكره متفرقا عند كل مدينة نذكرها، وكان المستولي على فارس مرزبان يقال له سهرك فجمع جموعه والتقى المسلمين بريشهر فانهزم جيشه وقتل، كما نذكره في ريشهر، فضعفت فارس بعده، وكتب عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، إلى عثمان بن أبي العاصي أن يعبر إلى فارس بنفسه، فاستخلف أخاه المغيرة، وقيل: إنه جاءه حفص بالبحرين وعمان وعبر إلى فارس ومدينة توج وجعل يغير على بلاد فارس وكتب عمر إلى أبي موسى الأشعري بمظاهرة عثمان بن أبي العاصي على أرض فارس، فتتابعت إليه الجيوش حتى فتحت، وكان أبو موسى يغزو فارس من البصرة ثم يعود إليها، وخراج فارس ثلاثة وثلاثون ألف ألف درهم بالكفاية، وذكر أن الفضل بن مروان وزير المتوكل قبلها بخمسة وثلاثين ألف ألف درهم بالكفاية على أنه لا مؤونة على السلطان، وجباها الحجاج بن يوسف مع الأهواز ثمانية عشر ألف ألف درهم، وقال بعض شعراء الفرس يمدح هذه البلاد:
في بلدة لم تصل عكل بها طنبا * ولا خباء ولا عك وهمدان ولا لجرم ولا الأتلاد من يمن، * لكنها لبني الأحرار أوطان أرض يبني بها كسرى مساكنه، * فما بها من بني اللخناء انسان وبنواحي فارس من أحياء الأكراد ما يزيد على خمسمائة ألف بيت شعر ينتجعون المراعي في الشتاء والصيف على مذاهب العرب، وبفارس من الأنهار الكبار التي تحمل السفن نهر طاب ونهر سيرين ونهر الشاذكان ونهر درخيد ونهر الخوبذان ونهر سكان ونهر جرسق ونهر الإخشين ونهر كر ونهر فرواب ونهر بيرده، ولها من البحار بحر فارس وبحيرة البجكان وبحيرة دشتأرزن وبحيرة التوز وبحيرة الجوذان وبحيرة جنكان، قال: وأما القلاع فإنه يقال فيما بلغني إن لفارس زيادة على خمسة آلاف قلعة مفردة في الجبال