أموره فيها وتحول الناس إليها أنفذ إليه الرشيد يطلب منه مالا فتعلل عليه بعلة ودافعه عن حمل المال ثم ثنى الرسول إليه وكذلك راسله ثالثا وبلغ هارون الرشيد أنه قد عصى عليه وتحصن فانفذ إليه الجيوش إلى أن طالت بينهما المحاربة والوقائع ثم ظفر به صاحب الرشيد فحمله مكبلا بالحديد فمكث في حبس الرشيد عشرة أيام لم يسمع منه كلمة واحدة وكان إذا أراد شيئا أومأ برأسه ويده، فلما مضت له عشرة أيام جلس الرشيد للناس وأمر باخراجه فأخرج من الجس إلى مجلس أمير المؤمنين والوزراء والحجاب والأمراء بين يدي الرشيد، فلما مثل بين يديه قبل الأرض ثم قام قائما لا يتكلم ولا يقول شيئا ساعد تامة، قال: فدعا الرشيد النطع والسيف وأمر بضرب عنقه، فقال له يحيى: ويلك يا مالك لم لا تتكلم؟ فالتفت إلى الرشيد فقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته! الحمد لله الذي خلق الانسان من سلالة من طين. يا أمير المؤمنين جبر الله بك صدع الدين ولم بك شعث المسلمين وأخمد بك شهاب الباطل وأوضح بك سبل الحق! إن الذنوب تخرس الألسنة وتصدع الأفئدة. وأيم الله لقد عظمت الجريرة فانقطعت الحجة فلم يبق إلا عفوك أو انتقامك. ثم أنشأ يقول:
أرى الموت بين السيف والنطع كامنا يلاحظني من حيث ما أتلفت وأكثر ظني أنك اليوم قاتلي، وأي امرئ مما قضى الله يفلت وأي امرئ يدلى بعذر وحجة وسيف المنايا بين عينيه مصلت؟
يعز على الأوس بن تغلب موقف يهز على السيف فيه وأسكت وما بي خوف أن أموت وإنني لأعلم أن الموت شئ موقت ولكن خلفي صبية قد تركتهم وأكبادهم من خشية تتفتت كأني أراهم حين أنعى إليهم وقد خمشوا تلك الوجوه وصوتوا فإن عشت عاشوا خافضين بغبطة أذود الردى عنهم، وإن مت موتوا وكم قائل: لا يبعد الله داره، وآخر جذلان يسر ويشمت قال: فبكى الشيد بكاء تبسم ثم قال: لقد سكت على همة وتكلمت على علم وحكمة وقد وهبناك للصبية فارجع إلى مالك ولا تعاود فعالك، فقال:
سمعا لأمير المؤمنين وطاعة! ثم انصرف من عنده بالخلع والجوائز، وقد نسب إلى رحبة مالك جماعة، منهم: أبو على الحسن بن قيس الرحبي، روى عن عكرمة وعطاء، روى عنه سليمان التيمي، ومن المتأخرين أبو عبد الله محد بن علي بن محمد بن الحسن الرحبي الفقيه الشافعي المعروف بابن المتفننة، تفقه على أبي منصور بن الرزاز البغدادي ودرس ببلده وصنف كتبا ومات بالرحبة سنة 577 وقد بلغ ثمانين سنة، وابنه أبو الثناء محمود، كان قد ورد الموصل وتولى بها نيابة القضاء عن القاضي أبى منصور المظفر بن عبد القاهر بن الحسن بن علي بن القاسم الشهرزوري وبقي مدة ثم صرف عنها وعاد إلى الرحبة، وكان فقيها عالما، وكان أسد الدين شيركوه ولى الرحبة يوسف ابن الملاح الحلبي وآخر معه من بعض القرى فكتب إليه يحيى بن النقاش الرحبي: