وغير ذلك من أصناف الشجر وإذا امرأة واقفة على تنور تخبز ومعها صبى لها كلما غفلت عنه مضى الصبى إلى شجرة رمان مثمرة ليتناول من رمانها فتعدو خلفه وتمنعه من ذلك ولا تمكنه من أخذ شئ منه، فلم تزل كذلك حتى فرغت من خبزها والملك يشاهد ذلك كله، فلما لحق به أتباعه قص عليهم ما شاهده من المرأة والصبى ووجه إليها من سألها عن السبب الذي من أجله منعت ولدها من أن يتناول شيئا من الرمان فقالت: للملك فيه حصة ولم يأتنا المأذون بقبضها وهي أمانة في أعناقنا ولا يجوز أن نخونها ولا أن نتناول مما بأيدينا شيئا حتى يستوفى الملك حقه، فلما سمع قباذ ذلك أدركته الرقة عليها وعلى الرعية وقال لوزرائه: إن الرعية معنا لفي بلية وشدة وسوء حال بما في أيديهم من غلاتهم لأنهم ممنوعون من الانتفاع بشئ من ذلك حتى يرد عليهم من يأخذ حقنا منهم، فهل عندكم حيلة نفرج بها عنهم؟
فقال بعض وزرائه: نعم، يأمر الملك بالمساحة عليهم ويأمر أن يلزم كل جريب من كل صنف بقدر ما يحص الملك من الغلة فيؤدى ذلك إليه وتطلق أيديهم في غلاتهم ويكون ذلك على قرب مخارج المير وبعدها من الممتارين، فأمر قباذ بمساحة السواد وإلزام الرعية الخراج بعد حطيطة النفقة والمؤونة على العمارة والنفقة على كرى الأنهار وسقاية الماء وإصلاح البريدات وجعل جميع ذلك على بيت المال فبلغ خراج السواد في السنة مائة ألف ألف وخمسين ألف ألف درهم مثاقيل، فحسنت أحوال الناس ودعوا للملك بطول البقاء لما نالهم من العدل والرفاهية، وقد ذكرنا المشهور من كور السواد في المواضع التي قضى بها الترتيب حسب وضع الكتاب، وقد وقع اختلاف مفرط بين مساحة قباذ ومساحة عمر بن الخطاب، رضي الله عنه ، ذكرته كما وجدته من غير أن أحقق العلة في هذا التفاوت الكبير: أمر عمر بن الخطاب، رضي الله عنه ، بمسح السواد الذي تقدم حده لم يختلف صاحب هذه الرواية فيه فكان بعد أن أخرج عنه الجبال والأودية والأنهار ومواضع المدن والقرى ستة وثلاثين ألف ألف جريب فوضع على جريب الحنطة أربعة دراهم وعلى جريب الشعير درهمين وعلى جريب النخل ثمانية دراهم وعلى جريب الكرم والشجر ستة دراهم وحتم الجزية على ستمائة ألف انسان وجعلها طبقات، الطبقة العالية ثمانية وأربعون درهما والوسطى أربعة وعشرون درهما والسفلى اثنا عشر درهما، فجبى السواد مائة ألف الف وثمانية وعشرين ألف الف درهم، وقال عمر بن عبد العزيز: لعن الله الحجاج! فإنه ما كان يصلح للدنيا ولا للآخرة، فإن عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، جبى العراق بالعدل والنصفة مائة ألف ألف وثمانية وعشرين ألف ألف درهم، وجباه زياد مائة الف الف وخمسة وعشرين الف الف درهم وجباه ابنه عبيد الله أكثر منه بعشرة آلاف ألف درهم، ثم جباه الحجاج مع عسفه وظلمه وجبروته ثمانية عشر ألف ألف درهم فقط وأسلف الفلاحين للعمارة ألفى ألف فحصل له ستة عشر ألف ألف، قال عمر بن عبد العزيز: وها أنا قد رجع إلى على خرابه فجبيته مائة ألف ألف وأربعة وعشرين ألف ألف درهم بالعدل والنصفة وإن عشت له لأزيدن على جباية عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، وكان أهل السواد قد شكوا إلى الحجاج خراب بلدهم فمنعهم من ذبح البقر لتكثر العمارة، فقال شاعر:
شكونا إليه خراب السواد، فحرم جهلا لحوم البقر