يضرب بعض ما يؤخذ منها من أصناف الغلات ببعض فيبلغ ذلك مائة ألف ألف وخمسين ألف ألف درهم مثاقيل، هذا سوى خراج أهل الذمة وسوى الصدقة، فإن ذلك لا مدخل له في الخراج، وكانت غلات السواد تجرى على المقاسمة في أيام ملوك فارس إلى ملك قباذ بن فيروز فإنه مسحه وجعل على أهله الخراج، وقال الأصمعي: السواد سوادان: سواد البصرة دستميسان والأهواز وفارس، وسواد الكوفة كسكر إلى الزاب وحلوان إلى القادسية، وقال أبو معشر: إن الكلدانيين هم الذين كانوا ينزلون بابل في الزمن الأول، ويقال: إن أول من سكنها وعمرها نوح، عليه السلام، حين نزلها عقيب الطوفان طلبا للرفاء فأقام بها وتناسلوا فيها وكثروا من بعد نوح وملكوا عليهم ملوكا وابتنوا بها المدائن واتصلت مساكنهم بدجلة والفرات إلى أن بلغوا من دجلة إلى أسفل كسكر ومن الفرات إلى ما وراء الكوفة، وموضعهم هذا هو الذي يقال له السواد، وكانت ملوكهم تنزل بابل، وكان الكلدانيون جنودهم، فلم تزل مملكتهم قائمة إلى أن قتل دارا، وهو آخر ملوكهم، ثم قتل منهم خلق كثير فذلوا وانقطع ملكهم، وقد ذكرت بابل في موضعها، وقال يزيد بن عمر الفارسي: كانت ملوك فارس تعد السواد اثنى عشر استانا وتحسبه ستين طسوجا، وتفسير الإستان إجارة، وترجمة الطسوج ناحية، وكان الملك منهم إذا عنى بناحية من الأرض عمرها وسماها باسمه، وكانوا ينزلون السواد لما جمع الله في أرضه من مرافق الخيرات وما يوجد فيها من غضارة العيش وخصب المحل وطيب المستقر وسعة ميرها من أطعمتها وأوديتها وعطرها ولطيف صناعتها، وكانوا يشبهون السواد بالقلب وسائر الدنيا بالبدن، وكذلك سموه دل إيرنشهر أي قلب إيرنشهر، وإيرنشهر: الاقليم المتوسط لجميع الأقاليم، قال:
وإنما شبهوه بذلك لان الآراء تشعب عن أهله بصحة الفكر والروية كما تتشعب عن القلب بدقائق العلوم ولطائف الآداب والاحكام، فأما من حولها فأهلها يستعملون أطرافهم بمباشرة العلاج، وخصب بلاد إيرنشهر بسهولة لا عوائق فيها ولا شواهق تشينها ولا مفاوز موحشة ولا براري منقطعة عن تواصل العمارة والأنهار المطردة من رساتيقها وبين قراها مع قلة جبالها وآكامها وتكاثف عمارتها وكثرة أنواع غلاتها وثمارها والتفاف أشجارها وعذوبة مائها وصفاء هوائها وطيب تربتها مع اعتدال طينتها وتوسط مزاجها وكثرة أجناس الطير والصيد في ظلال شجرها من طائر بجناح وماش على ظلف وسابح في بحر، قد أمنت مما تخافه البلدان من غارات الأعداء وبوائق المخالفين مع ما خصت به من الرافدين دجلة والفرات إذ قد اكتنفاها لا ينقطعان شتاء ولا صيفا على بعد منافعهما في غيرها فإنه لا ينتفع منهما بكثر فائدة حتى يدخلاها فتسيح مياههما في جنباتها وتنبطح في رساتيقها فيأخذون صفوه هنيئا ويرسلون كدره وأجنه إلى البحر لأنهما يشتغلان عن جميع الأراضي التي يمران بها ولا ينتفع بهما في غير السواد إلا بالدوالي والدواليب بمشقة وعناء، وكانت غلات السواد تجرى على المقاسمة في أيام ملوك الفرس والأكاسرة وغيرهم إلى أن ملك قباذ بن فيروز فإنه مسحه وجعل على أهله الخراج، وكان السبب في ذلك أنه خرج يوما متصيدا فانفرد عن أصحابه بصيد طرده حتى وغل في شجر ملتف وغاب الصيد الذي اتبعه عن بصره فقصد رابية يتشوفه فإذا تحت الرابية قرية كبيرة، ونظر إلى بستان قريب منه فيه نخل ورمان