الأميني من تحقيق وتدقيق وتمحيص نتيجة جلده الجبار في البحث والاستقصاء وصبره العتيد على التعمق في الاستقراء والاستنتاج، ومن ثم بلوغه إلى إصابة الهدف وتقرير الحقيقة، وإبرازها سافرة ناصعة، مما دل على شدة مراسيه، وعنته في جمع الأدلة التاريخية القوية، وإقامة البراهين العلمية الساطعة، وسوق الحجج العقلية والنقلية والأدبية لإثبات دعم موضوعه الخطير في الغدير، وهو ذلك قد أبطل المثل الساير: - ما ترك الأوائل للأواخر من شئ - وأراد أن يثبت للقراء بأن الأواخر قد أتوا بما لا تستطيعه الأوائل من ابتكار ومعجزات في العلوم والفنون.
لا أغالي في القول إذا قلت: إن كتاب " الغدير " ما هو إلا موسوعة نادرة في العلم والفن والتاريخ والتراجم، وروضة بهيجة أنيقة ساحرة بالطرف الأدبية الزاهرة، وهو فوق ذلك فإنه دائرة معارف جليلة مهمة، حافلة بكثير من الآراء الدينية السديدة، التي تطمئن إليها النفوس الزائغة الحائرة الغارقة في حنادس الجهالة، وغياهب الشك، ودياجير الضلالة. والحق فإن هذا الأثر النفيس الخالد مما يعجز عن تحقيقه وتخليده أكبر الجمعيات العلمية في عصرنا الحاضر، وعليه فإن هذا المجهود الجبار أعظم مفخرة خالدة للعلامة البحاثة الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي في ميدان العلم والفن، وهو أكبر خدمة أسداها فضيلته للمكتبة العربية وهي تستحق الإعجاب والتقدير.
والذي نؤاخذ به حضرة المؤلف هو عدم قيامه باكمال هذه المنة، من وضع الفهارس بأسماء الرجال والشعراء والأماكن، ولكن هذا لا ينقص من قيمة الكتاب التاريخية والعلمية والأدبية. وأعتقد أن أزمة الورق هي السبب الأول لهذا النقص في الكتاب.
أما فضيلة المؤلف فقد أهدى هذه الخدمة المشكورة إلى صاحب الولاية الكبرى، وسيد الأمة، وأبي الأئمة، مولانا أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه إذ لم يجد أحدا أولى بإهداء كتابه إليه من صاحب الولاية الكبرى. أيها الشيخ الفاضل إن بضاعتك المزجاة وهي صحائف ولائك الخالص لأمير المؤمنين (عليه السلام)