إن حديث الغدير لا ريب حقيقة لا يعتريها باطل، بلجاء بيضاء كوضح النهار، وإنه لنفثة من نفثات الإلهام جاشت بها نفس الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) لتقرر بها قدر ربيه وصفيه وأخيه بين أمته وأصفيائه المجتبين. هو حجه لقدر الإمام " نقلية "، ولحقه الهضيم، لم يعوز " الأميني " إبرازها في سطور سفره، وإحاطتها بسياج ثابت متين من الاسناد التاريخية المنيعة على أراجيف الأهواء.. ولمن شاء أن يخدشها - ظالما أو جاهلا - بفرية، أو يدلنا أين بين أولئكم الصحابة الأبرار من يسبق ابن أبي طالب حين تذكر المزايا والأقدار؟!
لقد كنت، وما أزال، أجعل الخلق والمواهب ومقومات الشخصية أقيستي للعظمة الإنسانية، فما رأيت امرأ - بعد محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) - جديرا أن يلحق بذيله أو يكون رديفه قبل أبي سلالته الخيرة المطهرة، ولست بهذا مدفوعا بحماس لمذهب أو تشيع، ولكنه الرأي الذي تنطق به حقائق التاريخ...
إنما الإمام هو الرجل " الأمثل "... عقمت عن مثيله الحقب والعصور حتى آخر الزمان. وعندما تستروح النفوس المستهدية أنباءه يشرق لها من كل نبأ شعاع، فإن هو إلا بشر صيغ - أو كان أن يكون - من كمال، ظاهر الحق لذات الحق دون مظاهرته للنتائج المترتبة عليه، ولا من أجل الجزاء عنه، وغالب الباطل إنكارا للباطل وحبا في تبرئة الإنسانية المتعالية التي يؤمن بها من أن تتهم بالصبر على ما يجافي الحق دون أن تنهض له، كان دوما يكره الشر منذ انتبهت عينه للحياة.. كرهه في الانتقاص من تفرد الله بالقدرة، فأبى أن يعنو وجهه لأي من الأصنام التي عنت لها جباه قومه - وهو بعد طفل - لأنه رآها شرا ينال من قداسة الله في نفوس بني الإنسان... وكرهه في عدوان القوي الظالم على حرية الضعيف المظلوم، فناضل نضاله المشهود إبان البعثة عن رسول الله، لتحق كلمة الله وتذيع شرعة الهداية الكفيلة باستنقاذ البشرية الضالة من حمأة الآثام... كره الشر في الحسيات وفي المعنويات. وغالبه في العقائد الفاسدة والنفوس المفسودة... حاربه في الفقر الذي يسترخص الأبدان والأرواح، فأمن نفسه من غوائله بأن حصنها