رافقت قضية الخلافة والخلفاء وما جرى في أيامهم، ويهمه أن يعلم لماذا تعددت دول الإسلام وتفرقت؟ وماذا حدث في عصورها من حروب وأعمال؟ وكيف زالت تلك الدول وحل محلها غيرها؟ وماذا أدى كل منها من الخدمات إلى الحضارة الإسلامية وإلى الذين شادوا بنيانها ورفعوا منارها؟ ويهمه أن يعلم ما هي عوامل السرعة في الفتوحات واتساعها وانتشار الإسلام بيد الأمم والشعوب على اختلاف مللهم ونحلهم؟ ولماذا بدأ الاختلاف بعد وفاة الرسول الأعظم وابعد بنو هاشم عن حقهم؟ ويهمه أن يعلم ما هي بواعث الانحطاط والانحلال في المسلمين حتى أصبحوا على ما هم عليه؟ وما هي الطرق المؤدية إلى وحدة كلمتهم ونهضتهم دينيا، وسياسيا، واقتصاديا، وأدبيا وعلميا؟ وهل يمكن تدارك ما فات بالرجوع إلى ما كتبته التواريخ القديمة والاعتماد عليها؟ أم يجب البحث والعمل والانصراف إلى التحري والاستقراء بتجرد ونزاهة؟ حتى يمكن الاستنباط والتحقق من العلل، واستخراج الأسباب، وبيان ما يجب أن يتهيأ له الجيل الجديد، للأخذ بمقومات العلم والنهضة والتمسك بالمثل العليا التي تمثل لنا مبادئ الرسول، وسيرته وتعاليمه، وتعاليم من ساروا سيرته، وعملوا بهديه، واستناروا بنوره، وكانوا مصابيح الشريعة، وسند الحق، وكعبة الحياة السعيدة، ومثالا للزهد والتقوى.
إنني لأرى - وأنا الواثق بأن مثل هذه الدراسة وهذا النهج القويم هو خير ما يجب على رجال العلم والدين والاصلاح السعي لتحقيقه وإبرازه إلى حيز الوجود - إن في كتابكم " الغدير " الذي أخرجتموه إلى العالم الإسلامي ما يثبت لنا فائدة هذه الدراسة على هذا الطراز العلمي، وفيه ما يحقق لنا حقيقة تاريخية لم ينصف المؤرخون في روايتها بإجماع كما حدثت، بل تناولها بعضهم بالإثبات وبعضهم بالنفي، وهنالك من رواها بالزيادة أو النقصان، ومنهم من نقلها محرفة، ومنهم من ذكرها دون اهتمام، كأنها قضية لا يتوقف على صحتها والعمل بها سلامة البداية وخلود النهاية، فمر بها مرور الغافل، أو الجاهل، أو المغرض.