ليس ينجبه سوى إيمان للرجل وثيق بقدر عمله وجدواه، وإيمان أيضا بشخصية الإمام العظيم بلغ أعلا ذراه.
ومن العسير على أي امرئ يقرأ " الغدير " أن يفيه في عجالة كهذه قصيرة، وأنا كذلك معلن قصوري بين يدي تقديري!... فليس بنصوص من روائع الأدب، ولا نظيما من عيون القيد، ولا صحائف مجتباة من بطون التاريخ.. لا ولا قصصا حيا يرد الأجيال ويرسم الرجال والأبطال، ولكنه هذه كلها وبعض سواها، عصي على من لم يتوفر عمره المديد على دراسة نواحيها أن يأتي فيه بالرأي الراشد الذي يقارب الصواب.
ومن هنا بدا لنا علم " الأميني " عالما فسيحا يضل فيه وعي القراء كما يضل وعي النقاد، فلقد جاء كتابه " موسوعة " زاخرة تفيض بالممتع والمحكم، وتلم من كل فن من فنون المعارف بأطراف، حتى ليعسر على النخبة المختارة من ذوي الأقلام أن يأتوا بنظيرها إلا على حذر وبعد بحث مغرق طويل.
وأدع جانبا هذا العرض الدقيق الذي أودعه الكاتب لب كتابه، وهذا السرد الرشيق للنظيم والنثير، ثم انطلق وإياه في آفاقه التي أضاءها قلبه المشرق المستنير.. إنه ليستهدي التنزيل، ثم الحديث، ثم يقفي بعد هذا وذاك بنفحات الهداية التي حركت يراعات تلك الأجيال المتلاحقة من الرواة والشعراء والكتاب حتى يصل بنا إلى هذا الجيل... فإلى أي مدى استطاع أن يتخذهم جميعا جندا يدفعون جحافل الجحود والإنكار والافتراء عن " حديث الغدير "؟..
لقد وفق الرجل في كلا العرض والدفاع، حتى فرت أمام حججه ذرائع المبطلين، ولم يكن في دفاعه مسوقا فحسب بفرط شغفه بالإمام، ولكنه كان أيضا كالحكم العدل، يزن في كفتين ثم يسجل لأيتهما كان الرجحان. ولعل نظرة عابرة يلقيها غير ذي الهوى على صفحات سفره - وخاصة تلك التي أفردها السلاسل " الوضاعين والموضوعات " - كفيلة بأن تريه " الأميني " بحاثة أمينا، يتبع في استخلاص آرائه أدق أساليب البحث المنزه الصحيح.