وفي كل ما حدث بقي العالم الإسلامي بعيدا عن فهم الحقيقة، حقيقة الحدث التاريخي الذي لو عمل به صحابة العهد النبوي، ونفذ ما جاء في الوصية حسبما أراده الرسول الأمين، والمؤسس الأعظم ما وقع ما وقع، وأصاب المسلمين ما أصاب من بلاء الشقاق، وشقاء الاختلاف، ولبقيت وحدة المسلمين متماسكة الحلقات، سليمة من النوازع والرغبات، وسارت الخلافة تحفها مواكب النصر، وتظلها أعلام الهدى والرشاد في طريق القوة والإجماع، كما رسم خططها الرسول، فلا يتولاها إلا ذو استعداد، وكفاية، وعلم، وإرادة، وشجاعة، وقوة، وحزم، وثبات، وإدراكه ادراك صحيح لسياسة الشريعة، وحكمته حكمة عادلة تجمع بين الدين والدنيا، وخلقه خلق النبوة، وسيرته سيرة المصلح، وهديه هدي القرآن، وحياته حياة الزاهد في حطام الدنيا وزينتها ولذاتها، وعمله عمل الحق والرحمة والمحبة، وسيفه سيف الحكيم الخبير بمواطن الداء، وحكمه حكم القاضي الذي لا تأخذه في الحق لومة لائم، ويده يد الجبار على الظالم، ويد الرحيم مع الضعيف، وعلمه الذي يقيس القضايا بمقاييس العقل والحق والصالح العام، والتجرد عن كل ما يخالف أمر الله، يريد وجهه في كل عمل وقول.
أما الواقع كان خلاف ما يجب أن يكون، وحدث ما ليس في الحسبان، وأضاع العرب الفرصة والزمان، وخسر المسلمون رجالاتهم وقوتهم وهم في أول نشأتهم في منابذات ومنازعات، ما أغناهم عنها! ولولاها لدوخوا العالم، ودكوا العروش، ونشروا ألوية السلام في أقل من نصف قرن، ولبسطوا سلطانهم على العالم، وأسسوا هدى شريعتهم دون عناء.
أما وقد انطوت أحداث التاريخ على ما لا يحمد وما يحمد خلال تلك القرون، فليكن لنا منها عبرة وبعث ينشطنا إلى بسط الحقائق، وربط الوقائع، وبيان العلل والأسباب، وكشف النتائج، معتمدين على منطق العلم والعقل والتجارب، ومنهج جمع الشمل، ولثم الجروح، حتى لا تشوب مباحثنا شائبة الزيغ أو التقصير أو الإهمال، فنطهر سيرة ذلك الوصي الذي عاش لله ودينه، واستشهد في سبيل إعلاء