وأيضا شغل ذمة الجاهل يقيني كما عرفت فلا بد من البراءة اليقينية لقولهم عليهم السلام: (لا تنقض اليقين، إلا بيقين مثله)، وحصول الامتثال العرفي لقوله تعالى: أطيعوا الله وأطيعوا الرسول، ولأن التكليف يستدعي الامتثال، ولا يتحقق الامتثال إلا بإتيان المطلوب كما هو هو، أو يرخص الامر بالاكتفاء بالظن عوض مطلوبه، فلا يعلم أنه ممتثل.
وأيضا الموافق للقواعد العدلية أن المؤاخذة من جهة الفعل أو الترك، وكذا الثواب الذي بإزاء الفعل أو الترك إنما هو بإزائهما، ومعلوم أن الجاهل الذي اتفق مطابقة عبادته للواقع، والجاهل الذي اتفق مخالفتها له في الفعل والترك والتقليد والتقصير واحد من دون تفاوت، ومجرد اتفاق المطابقة والمخالفة ليس بفعلهما وقصدهما وإرادتهما، لان كلا منهما قصده المطابقة وعدم المخالفة، ومحض الاتفاق كيف يصير سببا للعقاب الطويل، أو المخلد إن كان المطلوب من أصول الدين، ومنشأ للثواب الدائم الذي هو بإزاء عمل المكلف.
وأيضا النية شرط في صحة العبادة فإذا لم يعرف أنها عبادة مطلوبة منه، فحين فعله كيف ينوي أنه يفعلها طاعة لله تعالى وقربة إليه؟
مع أنه لا يعلم أنه إطاعة له تعالى ومقرب إليه، لأنه لا يعلم أن هذا الشخص من الفعل الذي يفعله هو الذي أمر الله تعالى به، وإذا علم أنه هو الذي أمر الله تعالى به يكون عالما لا جاهلا، والمفروض أنه جاهل بذلك، وإن ظن أنه