الله ليس له حكم ثابت عام في مجالات الاجتهاد التي لا يتوفر فيها النص، وإنما يرتبط تعيين الحكم بتقدير المجتهد وما يؤدي إليه رأيه واستحسانه، وهذا هو القول بالتصويب.
وفي هذا الضوء نتبين بوضوح ما ذكرناه آنفا من أن القول بالتصويب يعكس تطور فكرة النقص وتحولها إلى اتهام مباشر للشريعة بالنقص وعدم الشمول، الامر الذي سوغ لهؤلاء الفقهاء أن ينفوا وجود حكم شرعي ثابت في مجالات الاجتهاد ويصوبوا المجتهدين المختلفين جميعا.
وهكذا نعرف أن فكرة النقص في البيان الشرعي دفعت إلى الاتجاه العقلي المتطرف تعويضا عن النقص المزعوم في البيان الشرعي، وحينما تطورت فكرة النص إلى اتهام الشريعة نفسها بالنقصان وعدم الشمول أدى ذلك إلى تمخض الاتجاه العقلي المتطرف عن القول بالتصويب.
وهذا التطور في فكرة النقص الذي أدى إلى اتهام الشريعة بالنقصان وتصويب المجتهدين المختلفين جميعا، أحدث تغييرا كبيرا في مفهوم العقل أو الاجتهاد الذي يأخذ به أنصار الاتجاه العقلي المتطرف، فحتى الآن كنا نتحدث عن العقل والادراك العقلي بوصفه وسيلة إثبات، أي كاشفا عن الحكم الشرعي كما يكشف عنه البيان في الكتاب أو السنة، ولكن فكرة النقص في الشريعة التي قام على أساسها القول بالتصويب تجعل عمل الفقيه في مجالات الاجتهاد عملا تشريعيا لا اكتشافيا، فالعقل بمعناه المنفتح أو الاجتهاد في مصطلح الاتجاه العقلي المتطرف لم يعد - على أساس فكرة النقص في الشريعة - كاشفا عن الحكم الشرعي، إذ لا يوجد حكم شرعي ثابت في مجالات الاجتهاد ليكشف عنه الاجتهاد، وإنما هو أساس لتشريع الحكم من قبل المجتهد وفقا لما يؤدي إليه رأيه. وهكذا يتحول الاجتهاد على ضوء القول بالتصويب إلى مصدر تشريع، ويصبح الفقيه متشرعا في مجالات الاجتهاد