الأصولي والفقيه. والآخر يشجب العقل ويجرده إطلاقا عن وصفه وسيلة رئيسية للاثبات، ويعتبر البيان الشرعي هو الوسيلة الوحيدة التي يمكن استخدامها في عمليات الاستنباط.
ويقف بين هذين الاتجاهين المتطرفين اتجاه ثالث معتدل يتمثل في جل فقهاء مدرسة أهل البيت (عليهم السلام)، وهو الاتجاه الذي يؤمن - خلافا للاتجاه الثاني - بأن العقل أو الادراك العقلي وسيلة رئيسية صالحة للاثبات إلى صف البيان الشرعي، ولكن لا في نطاق منفتح - كما زعمه الاتجاه الأول - بل ضمن النطاق الذي تتوفر فيه للانسان القناعة التامة والادراك الكامل الذي لا يوجد في مقابله احتمال الخطأ، فكل ادراك عقلي يدخل ضمن هذا النطاق ويستبطن الجزم الكامل فهو وسيلة إثبات، وأما الادراك العقلي الناقص الذي يقوم على أساس الترجيح ولا يتوفر فيه عنصر الجزم فلا يصلح وسيلة إثبات لاي عنصر من عناصر عملية الاستنباط.
فالعقل في رأي الاتجاه الثالث أداة صالحة للمعرفة، وجديرة بالاعتماد عليها والاثبات بها إذا أدت إلى إدراك حقيقة من الحقائق إدراكا كاملا لا يشوبه شك. فلا كفران بالعقل كأداة للمعرفة، ولا أفراط في الاعتماد عليه فيما لا ينتج عنه إدراك كامل.
وقد تطلب هذا الاتجاه المعتدل الذي مثله جل فقهاء مدرسة أهل البيت عليهم السلام أن يخوضوا المعركة في جبهتين: إحداهما المعركة ضد أنصار الاتجاه الأول الذي كانت مدرسة الرأي في الفقه تتبناه بقيادة جماعة من أقطاب علماء العامة، والأخرى المعركة ضد حركة داخلية نشأت داخل صفوف الفقهاء الاماميين متمثلة في المحدثين والأخباريين من علماء الشيعة الذين شجبوا العقل وادعوا أن البيان الشرعي هو الوسيلة الوحيدة التي يجوز استخدامها للاثبات، وهكذا نعرف أن المعركة الأولى كانت ضد استغلال