وتحديده وإثبات حجية الظهور العرفي. ولم يقف توسع الاجتهاد كمصطلح عند هذا الحد، بل شمل في تطور حديث عملية الاستنباط بكل ألوانها فدخلت في الاجتهاد كل عملية يمارسها الفقيه لتحديد الموقف العملي تجاه الشريعة عن طريق إقامة الدليل على الحكم الشرعي أو على تعيين الموقف العملي مباشرة.
وهكذا أصبح الاجتهاد يرادف عملية الاستنباط، وبالتالي أصبح علم الأصول العلم الضروري للاجتهاد لأنه العلم بالعناصر المشتركة في عملية الاستنباط.
وهذه التطورات التي مرت بها كلمة الاجتهاد كمصطلح ترتبط بتطورات نفس الفكر العلمي إلى حد ما، وهذا ما قد يمكن توضيحه خلال دراستنا لتاريخ علم الأصول.
* * * على هذا الضوء يمكننا أن نفسر موقف جماعة من المحدثين عارضوا الاجتهاد وبالتالي شجبوا علم الأصول، فإن هؤلاء استفزتهم كلمة الاجتهاد لما تحمل من تراث المصطلح الأول الذي شن أهل البيت (عليهم السلام) حملة شديدة عليه، فحرموا الاجتهاد الذي حمل المجتهدون من فقهائنا رايته، واستدلوا على ذلك بموقف الأئمة (عليهم السلام) ومدرستهم الفقهية ضد الاجتهاد، وهم لا يعلمون أن ذلك الموقف كان ضد المعني الأول للاجتهاد، والفقهاء من الأصحاب قالوا بالمعني الثاني للكلمة.
وهكذا واجهت عملية الاستنباط هجوما مريرا من هؤلاء باسم الهجوم على الاجتهاد، وتحملت التبعات التاريخية لهذه الكلمة، وبالتالي امتد الهجوم إلى علم الأصول لارتباطه بعملية الاستنباط والاجتهاد.
ونحن بعد أن ميزنا بين معنيي الاجتهاد نستطيع أن نعيد إلى المسألة.