والوضوح بدرجة تغني عن إقامة الدليل، فليس من المعقول أن يحرم على الناس جميعا تحديد الموقف العملي تحديدا استدلاليا ويحجر عليهم النظر في الأدلة التي تحدد موقفهم تجاه الشريعة، فعملية الاستنباط إذن ليست جائزة فحسب بل من الضروري أن تمارس. وهذه الضرورة تنبع من واقع تبعية الانسان للشريعة، والنزاع في ذلك على مستوى النزاع في البديهيات.
ولكن لسوء الحظ اتفق لهذه النقطة أن اكتسبت صيغة أخرى لا تخلو عن غموض وتشويش، فأصبحت مثارا للاختلاف نتيجة لذلك الغموض والتشويش، فقد استخدمت كلمة الاجتهاد للتعبير عن عملية الاستنباط وطرح السؤال هكذا " هل يجوز الاجتهاد في الشريعة أو لا؟ " وحينما دخلت كلمة الاجتهاد في السؤال - وهي كلمة مرت بمصطلحات عديدة في تاريخها - أدت إلى إلقاء ظلال تلك المصطلحات السابقة على البحث، ونتج عن ذلك أن تقدم جماعة من علمائنا المحدثين ليجيبوا على السؤال بالنفي، وبالتالي ليشجبوا علم الأصول كله لأنه إنما يراد لاجل الاجتهاد، فإذا الغي الاجتهاد لم تعد حاجة إلى علم الأصول.
وفي سبيل توضيح ذلك يجب أن نذكر التطور الذي مرت به كلمة الاجتهاد، لكي نتبين كيف ان النزاع الذي وقع حول جواز عملية الاستنباط والضجة التي أثيرت ضدها لم يكن إلا نتيجة فهم غير دقيق للاصطلاح العلمي.
وغفلة عن التطورات التي مرت بها كلمة الاجتهاد في تاريخ العلم.
* * * الاجتهاد في اللغة مأخوذ من الجهد وهو " بذل الوسع للقيام بعمل ما " وقد استعملت هذه الكلمة - لأول مرة - على الصعيد الفقهي للتعبير بها عن قاعدة من القواعد التي قررتها بعض مدراس الفقه السني وسارت على أساسها وهي القاعدة القائلة: " إن الفقيه إذا أراد أن يستنبط حكما شرعيا ولم يجد