المثلث تساوي قائمتين؟ وكيف نستدل على أن الخط الممتد بدون نهاية مستحيل؟ وكيف نستدل على أن الخسوف ينتج عن توسط الأرض بين الشمس والقمر؟. كل هذا يجيب عليه علم المنطق بوضع المناهج العامة للاستدلال، كالقياس والاستقراء التي تطبق في مختلف هذه الحقول من المعرفة، فهو إذن علم لعملية التفكير إطلاقا، إذ يضع المناهج والعناصر العامة فيها.
وعلم الأصول يشابه علم المنطق من هذه الناحية، غير أنه يبحث عن نوع خاص من عملية التفكير، أي عن عملية التفكير الفقهي في استنباط الاحكام، ويدرس العناصر المشتركة العامة التي يجب أن تستوعبها عملية الاستنباط، وتتكيف وفقا لها، لكي يكون الاستنباط سليما والفقيه موفقا في استنتاجه. فهو يعلمنا: كيف يجب أن ننهج في استنباط الحكم الشرعي؟
كيف نستنبط الحكم بحرمة الارتماس على الصائم؟ كيف نستنبط الحكم باعتصام ماء الكر؟ كيف نستنبط الحكم بوجوب صلاة العيد؟ كيف نستنبط الحكم بحرمة تنجيس المسجد؟ كيف نستنبط الحكم ببطلان البيع الصادر عن إكراه؟. كل هذا يوضحه علم الأصول بوضع المناهج العامة لعملية الاستنباط والكشف عن عناصرها المشتركة.
وعلى هذا الأساس قد نطلق على علم الأصول اسم " منطق علم الفقه " لأنه يلعب بالنسبة إلى علم الفقه دورا ايجابيا مماثلا للدور الايجابي الذي يؤديه علم المنطق للعلوم والفكر البشري بصورة عامة، فهو على هذا الأساس " منطق علم الفقه " أو " منطق عملية الاستنباط " بتعبير آخر.
ونستخلص من ذلك كله أن علم الفقه هو العلم بعملية الاستنباط، وعلم الأصول هو منطق تلك العملية الذي يبرز عناصرها المشتركة ونظامها العام الذي يجب على علم الفقه الاعتماد عليه.