تطبيق تلك النظريات على المريض الذي بين يديه؟
فالبحث الأصولي عن العناصر المشتركة وما تقرره من نظريات عامة يشابه بحث العالم الطبيب عن النظريات العامة في الطب، ودراسة الفقيه للعناصر الخاصة في مجال تطبيق تلك النظريات العامة من قبيل دراسة الطبيب لحالات المريض في مجال تطبيق النظريات العامة في الطب عليه، وكما قد يحتاج الطبيب إلى قدر كبير من الدقة والجهد لكي يوفق لتطبيق تلك النظريات العامة على مريضه تطبيقا صحيحا يمكنه من شفائه، فكذلك الفقه بعد أن يخرج من دراسة علم الأصول بالعناصر المشتركة والنظريات العامة ويواجه مسألة في نطاق البحث الفقهي من مسائل الخمس أو الصوم أو غيرهما، فهو يحتاج أيضا إلى دقة وتفكير في طريقة تطبيق تلك العناصر المشتركة على العناصر الخاصة بالمسألة تطبيقا صحيحا.
وهكذا نعرف أن علم الأصول الذي يمثل العناصر المشتركة هو " علم النظريات العامة "، وعلم الفقه الذي يشتمل على العناصر الخاصة هو " علم تطبيق تلك النظريات في مجال العناصر الخاصة "، ولكل منهما دقته وجهده العلمي الخاص.
واستنباط الحكم الشرعي هو نتيجة مزج النظرية بالتطبيق، أي العناصر المشتركة بالعناصر الخاصة، وعملية المزج هذه هي عملية الاستنباط، والدقة في وضع النظريات العامة لا تغني عن الدقة في تطبيقها خلال عملية الاستنباط.
وقد أشار الشهيد الثاني إلى أهمية التطبيق الفقهي وما يتطلبه من دقة إذ كتب في قواعده يقول: " نعم يشترط مع ذلك - أي مع وضع النظريات العامة أن تكون له قوة يتمكن بها من رد الفروع إلى أصولها واستنباطها منها، وهذه هي العمدة في هذا الباب... وإنما تلك القوة بيد الله يؤتيها من يشاء من عباده على وفق حكمته ومراده، ولكثرة المجاهدة والممارسة لأهلها