اللفظ وقاصد لاستعماله فيه. وهذه الدلالة متوقفة على عدة أشياء: أولا:
على إحراز كون المتكلم في مقام البيان والإفادة. وثانيا على إحراز أنه جاد غير هازل. وثالثا: على إحراز أنه قاصد لمعنى كلامه شاعر به.
ورابعا: على عدم نصب قرينة على إرادة خلاف الموضوع له، وإلا كانت الدلالة التصديقية على طبق القرينة المنصوبة.
والمعروف: أن الدلالة الأولى - التصورية - معلولة للوضع، أي: أن الدلالة الوضعية هي الدلالة التصورية. وهذا هو مراد من يقول: " إن الدلالة غير تابعة للإرادة بل تابعة لعلم السامع بالوضع " (1).
والحق أن الدلالة تابعة للإرادة، وأول من تنبه لذلك فيما نعلم الشيخ نصير الدين الطوسي - أعلى الله مقامه (2) - لأن الدلالة في الحقيقة منحصرة في الدلالة التصديقية، والدلالة التصورية التي يسمونها دلالة ليست بدلالة، وإن سميت كذلك، فإنه من باب التشبيه والتجوز، لأن التصورية في الحقيقة هي من باب تداعي المعاني الذي يحصل بأدنى مناسبة، فتقسيم الدلالة إلى تصديقية وتصورية تقسيم الشئ إلى نفسه وإلى غيره.
والسر في ذلك: أن الدلالة حقيقة - كما فسرناها في كتاب المنطق الجزء الأول، بحث الدلالة (3) - هي أن يكشف الدال عن وجود المدلول، فيحصل من العلم به العلم بالمدلول، سواء كان الدال لفظا أو غير لفظ.
مثلا: إن طرقة الباب يقال: إنها دالة على وجود شخص على الباب طالب لأهل الدار، باعتبار أن المطرقة موضوعة لهذه الغاية. وتحليل هذا المعنى: أن سماع الطرقة يكشف عن وجود طالب قاصد للطلب، فيحصل من العلم بالطرقة العلم بالطارق وقصده، ولذلك يتحرك السامع إلى إجابته،