فرضه عن أحد أمور ثلاثة: المناسبة الذاتية - وقد عرفت بطلانها (1) - أو العلقة الوضعية، أو القرينة الحالية، أو المقالية. فإذا علم أن الدلالة مستندة إلى نفس اللفظ من غير اعتماد على قرينة فإنه يثبت أنها من جهة العلقة الوضعية.
وهذا هو المراد بقولهم: " التبادر علامة الحقيقة ". والمقصود من كلمة " التبادر " هو انسباق المعنى من نفس اللفظ مجردا عن كل قرينة.
وقد يعترض على ذلك بأن التبادر لابد له من سبب، وليس هو إلا العلم بالوضع، لأن من الواضح أن الانسباق لا يحصل من اللفظ إلى معناه في أية لغة لغير العالم بتلك اللغة، فيتوقف التبادر على العلم بالوضع، فلو أردنا إثبات الحقيقة وتحصيل العلم بالوضع بسبب التبادر لزم الدور المحال. فلا يعقل - على هذا - أن يكون التبادر علامة للحقيقة يستفاد منه العلم بالوضع، والمفروض أنه مستفاد من العلم بالوضع.
والجواب: أن كل فرد من أية أمة يعيش معها لابد أن يستعمل الألفاظ المتداولة عندها تبعا لها، ولابد أن يرتكز في ذهنه معنى اللفظ ارتكازا يستوجب انسباق ذهنه إلى المعنى عند سماع اللفظ، وقد يكون ذلك الارتكاز من دون التفات تفصيلي إليه وإلى خصوصيات المعنى. فإذا أراد الإنسان معرفة المعنى وتلك الخصوصيات وتوجهت نفسه إليه، فإنه يفتش عما هو مرتكز في نفسه من المعنى فينظر إليه مستقلا عن القرينة، فيرى أن المتبادر من اللفظ الخاص ما هو من معناه الارتكازي، فيعرف أنه حقيقة فيه.
فالعلم بالوضع لمعنى خاص بخصوصياته التفصيلية - أي الالتفات