ومما ذكرنا يتضح أن مقتضى الإطلاق جواز الإتيان بأفراد كثيرة معا دفعة واحدة ويحصل الامتثال بالجميع. فلو قال المولى: " تصدق على مسكين " فمقتضى الإطلاق جواز الاكتفاء بالتصدق مرة واحدة على مسكين واحد، وحصول الامتثال بالتصدق على عدة مساكين دفعة واحدة ويكون امتثالا واحدا بالجميع، لصدق صرف الوجود على الجميع، إذ الامتثال كما يحصل بالفرد الواحد يحصل بالأفراد المجتمعة بالوجود.
- 9 - هل يدل نسخ الوجوب على الجواز؟
إذا وجب شئ في زمان بدلالة الأمر ثم نسخ ذلك الوجوب قطعا، فقد اختلفوا في بقاء الجواز الذي كان مدلولا للأمر، لأن الأمر كان يدل على جواز الفعل مع المنع من تركه، فمنهم من قال ببقاء الجواز (1) ومنهم من قال بعدمه (2).
ويرجع النزاع - في الحقيقة - إلى النزاع في مقدار دلالة نسخ الوجوب، فإن فيه احتمالين:
1 - إنه يدل على رفع خصوص المنع من الترك فقط، وحينئذ تبقى دلالة الأمر على الجواز على حالها لا يمسها النسخ وهو القول الأول.
ومنشأ هذا: أن الوجوب ينحل إلى الجواز والمنع من الترك، ولا شأن في النسخ إلا رفع المنع من الترك فقط، ولا تعرض له لجنسه وهو الجواز، أي الإذن في الفعل.
2 - إنه يدل على رفع الوجوب من أصله، فلا يبقى لدليل الوجوب