المسألة الخامسة مقدمات الحكمة لما ثبت أن الألفاظ موضوعة لذات المعاني، لا للمعاني بما هي مطلقة، فلابد في إثبات أن المقصود من اللفظ هو المطلق لتسرية الحكم إلى تمام الأفراد والمصاديق من قرينة خاصة، أو قرينة عامة تجعل الكلام في نفسه ظاهرا في إرادة الاطلاق.
وهذه القرينة العامة إنما تحصل إذا توفرت جملة مقدمات تسمى " مقدمات الحكمة " والمعروف أنها ثلاث:
الأولى: إمكان الإطلاق والتقييد، بأن يكون متعلق الحكم أو موضوعه قبل فرض تعلق الحكم به قابلا للانقسام، فلو لم يكن قابلا للقسمة إلا بعد فرض تعلق الحكم به، كما في باب قصد القربة، فإنه يستحيل فيه التقييد فيستحيل فيه الإطلاق، كما تقدم في بحث التعبدي والتوصلي (1). وهذا واضح.
الثانية: عدم نصب قرينة على التقييد لا متصلة ولا منفصلة، لأ أنه مع القرينة المتصلة لا ينعقد ظهور للكلام إلا في المقيد، ومع المنفصلة ينعقد للكلام ظهور في الإطلاق، ولكنه يسقط عن الحجية، لقيام القرينة المقدمة عليه والحاكمة، فيكون ظهوره ظهورا بدويا، كما قلنا في تخصيص العموم بالخاص المنفصل، ولا تكون للمطلق الدلالة التصديقية الكاشفة عن مراد المتكلم، بل الدلالة التصديقية إنما هي على إرادة التقييد واقعا.
الثالثة: أن يكون المتكلم في مقام البيان، فإنه لو لم يكن في هذا المقام بأن كان في مقام التشريع فقط أو كان في مقام الإهمال إما رأسا أو لأ أنه في صدد بيان حكم آخر، فيكون في مقام الإهمال من جهة مورد