- 2 - من الواضع؟
ولكن من ذلك الواضع الأول في كل لغة من اللغات؟
قيل: إن الواضع لابد أن يكون شخصا واحدا يتبعه جماعة من البشر في التفاهم بتلك اللغة (1). وقيل - وهو الأقرب إلى الصواب -: إن الطبيعة البشرية حسب القوة المودعة من الله تعالى فيها تقتضي إفادة مقاصد الإنسان بالألفاظ (2) فيخترع من عند نفسه لفظا مخصوصا عند إرادة معنى مخصوص - كما هو المشاهد من الصبيان عند أول أمرهم - فيتفاهم مع الآخرين الذين يتصلون به، والآخرون كذلك يخترعون من أنفسهم ألفاظا لمقاصدهم وتتألف على مرور الزمن من مجموع ذلك طائفة صغيرة من الألفاظ، حتى تكون لغة خاصة لها قواعدها، يتفاهم بها قوم من البشر.
وهذه اللغة قد تتشعب بين أقوام متباعدة وتتطور عند كل قوم بما يحدث فيها من التغيير والزيادة، حتى قد تنبثق منها لغات أخرى فيصبح لكل جماعة لغتهم الخاصة.
وعليه، تكون حقيقة الوضع هو جعل اللفظ بإزاء المعنى وتخصيصه به. ومما يدل على اختيار القول الثاني في الواضع أنه لو كان الواضع شخصا واحدا لنقل ذلك في تاريخ اللغات، ولعرف عند كل لغة واضعها.