لا أنه ينتقل ذهن السامع من تصور الطرقة إلى تصور شخص ما، فإن هذا الانتقال قد يحصل بمجرد تصور معنى الباب أو الطرقة من دون أن يسمع طرقة، ولا يسمى ذلك دلالة، ولذا إن الطرقة لو كانت على نحو مخصوص يحصل من حركة الهواء - مثلا - لا تكون دالة على ما وضعت له المطرقة وإن خطر في ذهن السامع معنى ذلك.
وهكذا نقول في دلالة الألفاظ على معانيها بدون فرق، فإن اللفظ إذا صدر من المتكلم على نحو يحرز معه أنه جاد فيه غير هازل وأنه عن شعور وقصد وأن غرضه البيان والإفهام - ومعنى إحراز ذلك أن السامع علم بذلك - فإن كلامه يكون حينئذ دالا على وجود المعنى أي وجوده في نفس المتكلم بوجود قصدي، فيكون علم السامع بصدور الكلام منه يستلزم علمه بأن المتكلم قاصد لمعناه لأجل أن يفهمه السامع. وبهذا يكون الكلام دالا كما تكون الطرقة دالة، وينعقد بهذا للكلام ظهور في معناه الموضوع له أو المعنى الذي أقيمت على إرادته قرينة.
ولذا نحن عرفنا الدلالة اللفظية في المنطق بأنها: هي كون اللفظ بحالة ينشأ من العلم بصدوره من المتكلم العلم بالمعنى المقصود به (1). ومن هنا سمي المعنى " معنى " أي المقصود، من " عناه " إذا قصده.
ولأجل أن يتضح هذا الأمر جيدا اعتبر باللافتات التي توضع في هذا العصر للدلالة على أن الطريق مغلوق - مثلا - أو أن الاتجاه في الطريق إلى اليمين أو اليسار، ونحو ذلك، فإن اللافتة إذا كانت موضوعة في موضعها اللائق على وجه منظم بنحو يظهر منه أن وضعها لهداية المستطرقين كان مقصودا لواضعها، فإن وجودها هكذا يدل حينئذ على ما يقصد منها من غلق الطريق أو الاتجاه. أما لو شاهدتها مطروحة في