الثاني: ما يكون موجودا لا في نفسه، كنسبة القيام إلى زيد.
والدليل على كون هذا المعنى لا في نفسه: أنه لو كان للنسب والروابط وجودات استقلالية، للزم وجود الرابط بينها وبين موضوعاتها، فننقل الكلام إلى ذلك الرابط، والمفروض أنه موجود مستقل، فلابد له من رابط أيضا... وهكذا ننقل الكلام إلى هذا الرابط فيلزم التسلسل، والتسلسل باطل.
فيعلم من ذلك: أن وجود الروابط والنسب في حد ذاته متعلق بالغير ولا حقيقة له إلا التعلق بالطرفين.
ثم إن الإنسان في مقام إفادة مقاصده كما يحتاج إلى التعبير عن المعاني المستقلة كذلك يحتاج إلى التعبير عن المعاني غير المستقلة في ذاتها، فحكمة الوضع تقتضي أن توضع بإزاء كل من القسمين ألفاظ خاصة، والموضوع بإزاء المعاني المستقلة هي الأسماء، والموضوع بإزاء المعاني غير المستقلة هي الحروف وما يلحق بها. وهذه المعاني غير المستقلة لما كانت على أقسام شتى فقد وضع بإزاء كل قسم لفظ يدل عليه، أو هيأة لفظية تدل عليه.
مثلا، إذا قيل: " نزحت البئر في دارنا بالدلو " ففيه عدة نسب مختلفة ومعان غير مستقلة، إحداها: نسبة النزح إلى فاعله والدال عليها هيئة الفعل للمعلوم وثانيتها: نسبته إلى ما وقع عليه - أي مفعوله - وهو البئر والدال عليها هيئة النصب في الكلمة. وثالثتها: نسبته إلى المكان والدال عليها كلمة " في ". ورابعتها نسبته إلى الآلة والدال عليها لفظ الباء في كلمة " بالدلو ".
ومن هنا يعلم أن الدال على المعاني غير المستقلة ربما يكون لفظا مستقلا كلفظة " من " و " إلى " و " في ". وربما يكون هيئة في اللفظ كهيئات المشتقات والأفعال وهيئات الإعراب.