فتحصل أن الفرق بين معنى الحرف ومعنى الاسم: أن الأول يلاحظه المستعمل حين الاستعمال آلة لغيره وغير مستقل في نفسه، والثاني يلاحظه حين الاستعمال مستقلا، مع أن المعنى في كليهما واحد. والفرق بين وضعيهما إنما هو في الغاية فقط.
ولازم هذا القول أن الوضع والموضوع له في الحروف عامان. وهذا القول منسوب إلى الشيخ الرضي نجم الأئمة (1) واختاره المحقق صاحب الكفاية (2).
2 - إن الحروف لم توضع لمعان أصلا، بل حالها حال علامات الإعراب في إفادة كيفية خاصة في لفظ آخر، فكما أن علامة الرفع في قولهم: " حدثنا زرارة " تدل على أن زرارة فاعل الحديث، كذلك " من " في المثال المتقدم تدل على أن النجف مبتدأ منها والسير مبتدأ به.
3 - إن الحروف موضوعة لمعان مباينة في حقيقتها وسنخها للمعاني الاسمية، فإن المعاني الاسمية في حد ذاتها معان مستقلة في أنفسها، ومعاني الحروف لا استقلال لها، بل هي متقومة بغيرها.
والصحيح هذا القول الثالث. ويحتاج إلى توضيح وبيان:
إن المعاني الموجودة في الخارج على نحوين:
الأول: ما يكون موجودا في نفسه ك " زيد " الذي هو من جنس الجوهر، و " قيامه " - مثلا - الذي هو من جنس العرض، فإن كلا منهما موجود في نفسه، والفرق أن الجوهر موجود في نفسه لنفسه، والعرض موجود في نفسه لغيره.