في الأمثلة التي ذكروها، وليس (1) مسألة الاجماع من هذا الباب، لأنه يجوز أن تدخل عليهم الشبهة فيعتقدوا فيما ليس بدليل انه دليل فيجمعوا عليه، وقد دخلت الشبهة في مثل أمتنا - وأكثر منهم - فيما يتعلق بباب الديانات، الا ترى ان اليهود والنصارى ومن خالف الاسلام قد اتفقوا على ابطال الاسلام، وتكذيب نبينا عليه السلام وهم أكثر من المسلمين اضعافا مضاعفة، وليس اجماعهم على ذلك دليلا على بطلان الاسلام، لأنهم انما اجمعوا لدخول الشبهة عليهم، وانهم لم يمعنوا النظر في الطرق الموجبة (2) للقول بصحة الاسلام.
فكذلك القول في اجماع الأمة، على أن ذلك إذا دل الدليل على كونه حجة وثبت ذلك، فأما قبل ثبوته فنحن في سبر (3) ذلك، فالمنع منه غير صحيح.
فان قالوا: لو جاز عليهم الخطا فيما يجمعون عليه، لجاز على المتواترين الخطاء فيما يخبرون به، لان الأمة بأجمعها أكثر من قوم متواترين ينقطع بنقلهم الحجة، ولو جاز ذلك على (4) المتواترين أدى ذلك إلى الا نثق بشئ من الاخبار، ولا نعلم شيئا نقلوه، وذلك يؤدى إلى ما يعلم ضرورة خلافه.
قيل التواتر لم يكن حجة من حيث إنه لا يجوز فيهم الخطاء، وانما كان حجة لأنهم نقلوا نقلا يوجب العلم الضروري عند من قال بذلك، أو علما لا يتخالج فيه الشكوك عند من قال بالاكتساب، فالحجة في نقلهم بحصول العلم بما نقلوه لا بمجرد النقل، وكان يجوز أن لا ينقلوا ما نقلوه اما خطأ أو عمدا، فيخرج خبرهم من أن يكون موجبا للعلم، فيلحق حينئذ بباب الاجماع الذي نحن في اعتبار كونه حجة أم لا، وهذا بين لا اشكال فيه، ولم يعتمد هذه الطريقة الا شذاذ من القائلين بالاجماع، والمحصلون منهم عولوا على أدلة السمع في هذا الباب