بإضمار اذكر وقرئ بالرفع على تقدير ومن المرسلين إبراهيم «إذ قال لقومه» على الأول ظرف للارسال أي أرسلناه حين تكامل عقله وقدر على النظر والاستدلال وترقى من رتبة الكمال إلى درجة التكميل حيث تصدى لارشاد الخلق إلى طريق الحق وعلى الثاني بدل اشتمال من إبراهيم «اعبدوا الله» أي وحده «واتقوه» ان تشركوا به شيئا «ذلكم» أي ما ذكر من العبادة والتقوى «خير لكم» أي مما أنتم عليه ومعنى التفضيل مع انه لا خيرية فيه قطعا باعتبار زعمهم الباطل «إن كنتم تعلمون» أي الخير والشر وتميزون أحدهما من الآخر أو ان كنتم تعلمون شيئا من الأشياء بوجه من الوجوه فإن ذلك كاف في الحكم بخيرية ما ذكره من العبادة والتقوى «إنما تعبدون من دون الله أوثانا» بيان لبطلان دينهم وشريته في نفسه بعد بيان شريته بالنسبة إلى الدين الحق أي انما تعبدون من دونه تعالى أوثانا هي في نفسها تماثيل مصنوعة لكم ليس فيها وصف غير ذلك «وتخلقون إفكا» أي وتكذبون كذبا حيث تسمونها آلهة وتدعون انها شفعاؤكم عند الله تعالى أو تعملونها وتنحتونها للإفك وقرئ تخلقون بالتشديد للتكثير في الخلق بمعنى الكذب والافتراء وتخلقون بحذف احدى التاءين من تخلق بمعنى تكذب وتخرص وقرئ افكا على انه مصدر كالكذب واللعب أو نعت بمعنى خلقا ذا افك «إن الذين تعبدون من دون الله» بيان لشرية ما يعبدونه من حيث انه لا يكاد يجديهم نفعا «لا يملكون لكم رزقا» أي لا يقدرون على ان يرزقوكم شيئا من الرزق «فابتغوا عند الله الرزق» كله فإنه هو الرزاق ذو القوة المتين «واعبدوه» وحده «واشكروا له» على نعمائه متوسلين إلى مطالبكم بعبادته مقيدين بالشكر للعتيد ومستجلبين للمزيد «وإليه ترجعون» أي بالموت ثم بالبعث لا إلى غيره فافعلوا ما أمرتكم به وقرئ ترجعون من رجع رجوعا «وإن تكذبوا» أي تكذبوني فيما أخبرتكم به من انكم اليه ترجعون بالبعث «فقد كذب أمم من قبلكم» تعليل للجواب أي فلا تضرونني بتكذيبكم فإن من قبلكم من الأمم قد كذبوا من قبلي من الرسل وهم شيث وإدريس ونوح عليهم السلام فلم يضرهم تكذيبهم شيئا وانما ضر أنفسهم حيث تسبب لما حل بهم من العذاب فكذا تكذيبكم «وما على الرسول إلا البلاغ المبين» أي التبليغ الذي لا يبقى معه شك وما عليه ان يصدقه قومه البتة وقد خرجت عن عهدة التبليغ بما لا مزيد عليه فلا يضرني تكذيبكم بعد ذلك أصلا «أو لم يروا كيف يبدئ الله الخلق» كلام مستأنف مسوق من جهته تعالى للانكار على تكذيبهم بالبعث مع وضوح دليله وسنوح سبيله والهمزة لانكار عدم رؤيتهم الموجب لتقريرها والواو للعطف على مقدر أي ألم ينظروا
(٣٤)