قريب من المحسنين «إذ قال له قومه» منصوب بتنوء وقيل ببغي ورد بأن البغي ليس مقيدا بذلك الوقت وقيل بآتيناه ورد بأن الايتاء أيضا غير مقيد به وقيل بمضمر فقيل هو اذكر وقيل هو اظهر الفرح ويجوز ان يكون منصوبا بما بعده من قوله تعالى قال انما أوتيته وتكون الجملة مقررة لبغيه «لا تفرح» أي لا تبطر والفرح في الدنيا مذموم مطلقا لأنه نتيجة حبها والرضا بها والذهول عن ذهابها فإن العلم بأن ما فيها من اللذة مفارقة لا محالة يوجب الترح حتما ولذلك قال تعالى ولا تفرحوا بما آتاكم وعلل النهي ههنا بكونه مانعا من محبته عز وعلا فقيل «إن الله لا يحب الفرحين» أي بزخارف الدنيا «وابتغ» وقرئ واتبع «فيما آتاك الله» من الغنى «الدار الآخرة» أي ثواب الله تعالى فيها يصرفه إلى ما يكون وسيلة اليه «ولا تنس» أي لا تترك ترك المنسي «نصيبك من الدنيا» وهو ان تحصل بها آخرتك وتأخذ منها ما يكفيك «وأحسن» أي إلى عباد الله تعالى «كما أحسن الله إليك» فيما أنعم به عليك وقيل أحسن بالشكر والطاعة كما أحسن الله إليك بالانعام «ولا تبغ الفساد في الأرض» نهى عما كان عليه من الظلم والبغي «إن الله لا يحب المفسدين» لسوء افعالهم «قال» مجيبا لناصحيه «إنما أوتيته على علم عندي» كأنه يريد به الرد على قولهم كما أحسن الله إليك لانبائه عن انه تعالى أنعم عليه بتلك الأموال والذخائر من غير سبب واستحقاق من قبله أي فضلت به على الناس واستوجبت به التفوق عليهم بالمال والجاه وعلى علم في موقع الحال وهو علم التوراة وكان اعلمهم بها وقيل علم الكيمياء وقيل علم النجارة والدهقنة وسائر المكاسب وقيل علم فتح الكنوز والدفائن وعندي صفة له أو متعلق بأوتيته كقولك جاز هذا عندي أو في ظني ورأيي «أو لم يعلم أن الله قد أهلك من قبله من القرون من هو أشد منه قوة وأكثر جمعا» توبيخ له من جهة الله تعالى على اغتراره بقوته وكثرة ماله مع علمه بذلك قراءة في التوراة وتلقيا من موسى عليه السلام وسماعا من حفاظ التواريخ وتعجب منه فالمعنى ألم يقرأ التوراة ولم يعلم ما فعل الله تعالى بأضرابه من أهل القرون السابقة حتى لا يغتر بما اغتروا به أورد لا دعائه العلم وتعظمه به بنفي هذا العلم منه فالمعنى اعلم ما ادعاه ولم يعلم هذا حتى بقي به نفسه مصارع الهالكين «ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون» سؤال استعلام بل يعذبون بها بغتة كأن قارون لما هدد بذكر اهلاك من قبله ممن كان أقوى منه واغنى اكد ذلك بأن بين ان ذلك لم يكن مما يخص أولئك المهلكين بل الله تعالى مطلع على ذنوب كافة المجرمين يعاقبهم عليها لا محالة
(٢٥)