قوله تعالى: (والذين هاجروا في الله من بعد ما ظلموا) قد تقدم في " النساء " معنى الهجرة (1)، هي ترك الأوطان والأهل والقرابة في الله أو في دين الله، وترك السيئات.
وقيل: " في " بمعنى اللام، أي لله. " من بعد ما ظلموا) أي عذبوا في الله. نزلت في صهيب وبلال وخباب وعمار، عذبهم أهل مكة حتى قالوا لهم ما أرادوا، فلما خلوهم هاجروا إلى المدينة، قاله الكلبي. وقيل: نزلت في أبى جندل بن سهيل. وقال قتادة: المراد أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، ظلمهم المشركون بمكة وأخرجوهم حتى لحق طائفة منهم بالحبشة، ثم بوأهم الله تعالى دار الهجرة وجعل لهم أنصارا من المؤمنين. والآية تعم الجميع. (لنبوئنهم في الدنيا حسنة) في الحسنة ستة أقوال: الأول - نزول المدينة، قاله ابن عباس والحسن والشعبي وقتادة. الثاني - الرزق الحسن، قاله مجاهد. الثالث - النصر على عدوهم، قاله الضحاك. الرابع - إنه لسان صدق، حكاه ابن جريج. الخامس - ما استولوا عليه من فتوح البلاد وصار لهم فيها من الولايات. السادس: ما بقى لهم في الدنيا من الثناء، وما صار فيها لأولادهم من الشرف. وكل ذلك اجتمع لهم بفضل الله، والحمد لله. (ولاجر الآخرة أكبر) أي ولاجر دار الآخرة أكبر، أي أكبر من أن يعلمه أحد قبل أن يشاهده، " وإذا رأيت ثم رأيت نعيما وملكا كبيرا (2) ". (لو كانوا يعلمون) أي لو كان هؤلاء الظالمون يعلمون ذلك. قيل:
هو راجع إلى المؤمنين. أي لو رأوا ثواب الآخرة وعاينوه لعلموا أنه أكبر من حسنة الدنيا.
وروى أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان إذا دفع إلى المهاجرين العطاء قال: هذا ما وعدكم الله في الدنيا وما أدخر لكم في الآخرة أكثر، ثم تلا عليهم هذه الآية.
قوله تعالى: الذين صبروا وعلى ربهم يتوكلون (42) قيل: (الذين) بدل من (الذين) الأول. وقيل: من الضمير في " لنبوئنهم " وقيل: هم الذين صبروا على دينهم. (وعلى ربهم يتوكلون) في كل أمورهم. وقال بعض أهل التحقيق: خيار الخلق من إذا نابه أمر صبر، وإذا عجز عن أمر توكل، قال الله تعالى: " الذين صبروا وعلى ربهم يتوكلون ".