ولا دين لهم. وأما إن كان الصائد مجوسا فمنع من أكله مالك والشافعي وأبو حنيفة وأصحابهم وجمهور الناس. وقال أبو ثور فيها قولان: أحدهما - كقول هؤلاء، والآخر: أن المجوس من أهل الكتاب وأن صيدهم جائز. ولو أصطاد السكران أو ذبح لم يؤكل صيده ولا ذبيحته، لان الذكاة تحتاج إلى قصد، والسكران لا قصد له.
الخامسة عشرة: واختلف النحاة في " من " في قوله تعالى: " مما أمسكن عليكم " فقال الأخفش: هي زائدة كقوله: " كلوا من ثمره " (1) [الانعام: 141]. وخطأه البصريون وقالوا: " من " لا تزاد في الاثبات وإنما تزاد في النفي والاستفهام، وقوله: " من ثمره "، " يكفر عنكم من سيئاتكم " (2) [البقرة: 271] و " يغفر لكم من ذنوبكم (3) " [الأحقاف: 31] للتبعيض، أجاب فقال: قد قال: " يغفر لكم ذنوبكم (3) " [نوح: 4] بإسقاط " من " فدل على زيادتها في الايجاب، أجيب بأن " من " ههنا للتبعيض، لأنه إنما يحل من الصيد اللحم دون الفرث والدم.
قلت: هذا ليس بمراد ولا معهود في الاكل فيعكر على ما قال. ويحتمل أن يريد " مما أمسكن " أي مما أبقته الجوارح لكم، وهذا على قول من قال: لو أكل الكلب الفريسة لم يضر وبسبب هذا الاحتمال اختلف العلماء في جواز أكل الصيد إذا أكل الجارح منه على ما تقدم.
السادسة عشرة: ودلت الآية على جواز اتخاذ الكلاب واقتنائها للصيد، وثبت ذلك في صحيح السنة وزادت الحرث والماشية، وقد كان أول الاسلام أمر بقتل الكلاب حتى كان يقتل كلب المرية (4) من البادية يتبعها، روى مسلم عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من اقتنى كلبا إلا كلب صيد أو ماشية نقص من أجره كل يوم قيراطان). وروي أيضا عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أتخذ كلبا إلا كلب ماشية أو صيد أو زرع انتقص من أجره كل يوم قيراط). قال الزهري: وذكر لابن عمر قول أبي هريرة فقال: يرحم الله أبا هريرة، كان صاحب زرع، فقد دلت السنة على ما ذكرنا، وجعل النقص من أجر من اقتناها على غير ذلك من المنفعة، إما لترويع الكلب المسلمين