من أصحابنا وغيرهم إلى أنه يجوز أكل ما صاده المسلم وذبحه وإن ترك التسمية عمدا، وحملوا الامر بالتسمية على الندب. وذهب مالك في المشهور إلى الفرق بين ترك التسمية عمدا أو سهوا فقال: لا تؤكل مع العمد وتؤكل مع السهو، وهو قول فقهاء الأمصار، وأحد قولي الشافعي، وستأتي هذه المسألة في " الانعام " (1) إن شاء الله تعالى. ثم لابد أن يكون انبعاث الكلب بإرسال من يد الصائد بحيث يكون زمامه بيده. فيخلي عنه ويغريه عليه فينبعث، أو يكون الجارح ساكنا مع رؤيته الصيد فلا يتحرك له إلا بالاغراء من الصائد، فهذا بمنزلة ما زمامه بيده فأطلقه مغريا له على أحد القولين، فأما لو انبعث الجارح من تلقاء نفسه من غير إرسال ولا إغراء فلا يجوز صيده ولا يحل أكله عند الجمهور ومالك والشافعي وأبي ثور وأصحاب الرأي، لأنه إنما صاد لنفسه من غير إرسال وأمسك عليها، ولا صنع للصائد فيه، فلا ينسب إرساله إليه، لأنه لا يصدق عليه قوله عليه السلام: (إذا أرسلت كلبك المعلم).
وقال عطاء بن أبي رباح والأوزاعي: يؤكل صيده إذا كان أخرجه للصيد.
السابعة - قرأ الجمهور " علمتم " بفتح العين واللام. وابن عباس ومحمد بن الحنفية بضم العين وكسر اللام، أي من أمر الجوارح والصيد بها. والجوارح الكواسب، وسميت أعضاء الانسان جوارح لأنها تكسب وتتصرف. وقيل: سميت جوارح لأنها تجرح وتسيل الدم، فهو مأخوذ من الجراح، وهذا ضعيف، وأهل اللغة على خلافه، وحكاه ابن المنذر عن قوم. و " مكلبين " قراءة الجمهور بفتح الكاف وشد اللام، والمكلب معلم الكلاب ومضريها (2).
ويقال لمن يعلم غير الكلب: مكلب، لأنه يرد ذلك الحيوان كالكلب، حكاه بعضهم. ويقال للصائد: مكلب فعلى هذا معناه صائدين. وقيل: المكلب صاحب الكلاب، يقال: كلب فهو مكلب وكلاب. وقرأ الحسن " مكلبين " بسكون الكاف وتخفيف اللام، ومعناه أصحاب كلاب، يقال: أمشى الرجل كثرت ماشيته، وأكلب كثرت كلابه، وأنشد الأصمعي (3):
وكل فتى وإن أمشى فأثرى * ستخلجه عن الدنيا منون