بعد ذلك قرآن كثير، ونزلت آية الربا، ونزلت آية الكلالة إلى غير ذلك، وإنما كمل معظم الدين وأمر الحج، إذا لم يطف معهم في هذه السنة مشرك، ولا طاف بالبيت عريان، ووقف الناس كلهم بعرفة. وقيل: " أكملت لكم دينكم " بأن أهلكت [لكم] (1) عدوكم وأظهرت دينكم على الدين كله كما تقول: قد تم لنا ما نريد إذا كفيت عدوك.
الثالثة والعشرون - قوله تعالى: " وأتممت عليكم نعمتي " أي بإكمال الشرائع والاحكام وإظهار دين الاسلام كما وعدتكم، إذ قلت: ولاتم نعمتي عليكم " [البقرة: 150] وهي دخول مكة آمنين مطمئنين وغير ذلك مما انتظمته هذه الملة الحنيفية إلى دخول الجنة في رحمة الله تعالى.
الرابعة والعشرون - لعل قائلا يقول: قوله تعالى: " اليوم أكملت لكم دينكم " يدل على أن الدين كان غير كامل في وقت من الأوقات، وذلك يوجب أن يكون جميع من مات من المهاجرين والأنصار والذين شهدوا بدرا والحديبية وبايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم البيعتين جميعا، وبذلوا أنفسهم لله مع عظيم ما حل بهم من أنواع المحن ماتوا على دين ناقص، وأن رسول الله صلي الله عليه وسلم في ذلك كان يدعو الناس إلى دين ناقص، ومعلوم أن النقص عيب، ودين الله تعالى قيم، كما قال تعالى: " دينا قيما " (2) [الانعام: 161] فالجواب أن يقال له: لم قلت إن كل نقص فهو عيب وما دليلك عليه؟ ثم يقال له: أرأيت نقصان الشهر هل كون عيبا، ونقصان صلاة المسافر أهو عيب لها، ونقصان العمر الذي أراده الله بقوله: " وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره " (3) [فاطر: 11] أهو عيب له، ونقصان أيام الحيض عن المعهود، ونقصان أيام الحمل، ونقصان المال بسرقة أو حريق أو غرق إذا لم يفتقر صاحبه، فما أنكرت أن نقصان أجزاء الدين في الشرع قبل أن تلحق به الاجزاء الباقية في علم الله تعالى هذه ليست بشين ولا عيب، وما أنكرت أن معنى قول الله تعالى: " اليوم أكملت لكم دينكم " يخرج على وجهين:
أحدهما - أن يكون المراد بلغته أقصى الحد الذي كان له عندي فيما قضيته وقدرته، وذلك لا يوجب أن يكون ما قبل ذلك ناقصا نقصان عيب، لكنه يوصف بنقصان مقيد