القولين محتمل. وليس في " مكلبين " دليل على أنه إنما أبيح صيد الكلاب خاصة، لأنه بمنزلة قوله: " مؤمنين " وإن كان قد تمسك به من قصر الإباحة على الكلاب خاصة. روي عن ابن عمر فيما حكى ابن المنذر عنه قال: وأما ما يصاد به من البزاة وغيرها من الطير فما أدركت ذكاته فذكه فهو لك حلال، وإلا فلا تطعمه. قال ابن المنذر: وسئل أبو جعفر عن البازي يحل صيده قال: لا، إلا أن تدرك ذكاته. وقال الضحاك والسدي: " وما علمتم من الجوارح مكلبين " هي الكلاب خاصة، فإن كان الكلب أسود بهيما فكره صيده الحسن وقتادة والنخعي.
وقال أحمد: ما أعرف أحدا يرخص فيه إذا كان بهيما، وبه قال إسحاق بن راهويه، فأما عوام أهل العلم بالمدينة والكوفة فيرون جواز صيد كل كلب معلم، أما من منع صيد الكلب الأسود فلقوله صلى الله عليه وسلم: (الكلب الأسود شيطان)، أخرجه مسلم. احتج الجمهور بعموم الآية، واحتجوا أيضا في جواز صيد البازي بما ذكر من سبب النزول، وبما خرجه الترمذي عن عدي بن حاتم قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيد البازي فقال:
(ما أمسك عليك فكل). في إسناده مجالد ولا يعرف إلا من جهته وهو ضعيف. وبالمعنى وهو أن كل ما يتأتى من الكلب يتأتى من الفهد مثلا فلا فارق إلا فيما لا مدخل له في التأثير، وهذا هو القياس في معنى الأصل، كقياس السيف على المدية والأمة على العبد، وقد تقدم.
السادسة - وإذا تقرر هذا فأعلم أنه لا بد للصائد أن يقصد عند الارسال التذكية والإباحة، وهذا لا يختلف فيه، لقوله عليه السلام: (إذا أرسلت كلبك وذكرت اسم الله عليه فكل) وهذا يقتضي النية والتسمية، فلو قصد مع ذلك اللهو فكرهه مالك وأجازه ابن عبد الحكم، وهو ظاهر قول الليث: ما رأيت حقا أشبه بباطل منه، يعني الصيد، فأما لو فعله بغير نية التذكية فهو حرام، لأنه من باب الفساد وإتلاف حيوان لغير منفعة، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل الحيوان إلا لمأكلة. وقد ذهب الجمهور من العلماء إلى أن التسمية لا بد منها بالقول عند الارسال، لقوله: (وذكرت اسم الله) فلو لم توجد على أي وجه كان لم يؤكل الصيد، وهو مذهب أهل الظاهر وجماعة أهل الحديث. وذهبت جماعة