قلت: أجاب علماؤنا عن حديث رافع بن خديج بأن قالوا: تسليط النبي صلى الله عليه وسلم إنما هو على حبسه لا على ذكاته، وهو مقتضى الحديث وظاهره، لقوله: (فحبسه) ولم يقل إن السهم قتله، وأيضا فإنه مقدور عليه في غالب الأحوال فلا يراعى النادر منه، وإنما يكون ذلك في الصيد. وقد صرح الحديث بأن السهم حبسه وبعد أن صار محبوسا صار مقدورا عليه، فلا يؤكل إلا بالذبح والنحر. والله أعلم. وأما حديث أبي العشراء فقد قال فيه الترمذي: " حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث حماد بن سلمة، ولا نعرف لأبي العشراء عن أبيه غير هذا الحديث. واختلفوا في اسم أبي العشراء، فقال بعضهم: اسمه أسامة ابن قهطم، ويقال: اسمه يسار بن برز - ويقال: بلز - ويقال: اسمه عطارد نسب إلى جده ". فهذا سند مجهول لا حجة فيه، ولو سلمت صحته كما قال يزيد بن هارون لما كان فيه حجة، إذ مقتضاه جواز الذكاة في أي عضو كان مطلقا في المقدور وغيره، ولا قائل به في المقدور، فظاهره ليس بمراد قطعا. وتأويل أبي داود وابن حبيب له غير متفق عليه، فلا يكون فيه حجة، والله أعلم. قال أبو عمر: وحجة مالك أنهم قد أجمعوا أنه لو لم (1) يند الانسي أنه لا يذكى إلا بما يذكى به المقدور عليه، ثم اختلفوا فهو على أصله حتى يتفقوا. وهذا لا حجة فيه، لان إجماعهم إنما أنعقد على مقدور عليه، وهذا غير مقدور عليه.
السادسة عشرة - ومن تمام هذا الباب قوله عليه السلام: (إن الله كتب الاحسان على كل شئ فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته) رواه مسلم عن شداد بن أوس قال: ثنتان حفظتهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله كتب) فذكره. قال علماؤنا: إحسان الذبح في البهائم الرفق بها، فلا يصرعها بعنف ولا يجرها من موضع إلى آخر، وإحداد الآلة، وإحضار نية الإباحة والقربة وتوجيهها إلى القبلة، والاجهاز (2)، وقطع الودجين والحلقوم، وإراحتها وتركها إلى أن تبرد، والاعتراف لله بالمنة، والشكر له بالنعمة، بأنه سخر لنا ما لو شاء لسلطه علينا، وأباح لنا ما لو شاء