قوله تعالى " قال الله إني منزلها عليكم " هذا وعد من الله تعالى أجاب به سؤال عيسى كما كان سؤال عيسى إجابة للحواريين وهذا يوجب أنه قد أنزلها ووعده الحق، فجحد القوم وكفروا بعد نزولها فمسخوا قردة وخنازير. قال ابن عمر: إن أشد الناس عذابا يوم القيامة المنافقون ومن كفر من أصحاب المائدة وآل فرعون قال الله تعالى:
" فمن يكفر بعد منكم فإني أعذبه عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين ". واختلف العلماء في المائدة هل نزلت أم لا؟ فالذي عليه الجمهور - وهو الحق - نزولها لقوله تعالى:
" إني منزلها عليكم ". وقال مجاهد: ما نزلت وإنما هو ضرب مثل ضربه الله تعالى لخلقه فنهاهم عن مسألة الآيات لأنبيائه. وقيل: وعدهم بالإجابة فلما قال لهم: " فمن يكفر بعد منكم " الآية استعفوا منها، واستغفروا الله وقالوا: لا نريد هذا، قاله الحسن.
وهذا القول الذي قبله خطأ والصواب أنها نزلت. قال ابن عباس: إن عيسى ابن مريم قال لبني إسرائيل: [صوموا ثلاثين يوما ثم سلوا الله ما شئتم يعطكم] فصاموا ثلاثين يوما وقالوا: يا عيسى لو عملنا لاحد فقضينا عملنا [لأطعمنا] (1)، وإنا صمنا وجعنا فادع الله أن ينزل علينا مائدة من السماء فأقبلت الملائكة بمائدة يحملونها، عليها سبعة أرغفة وسبعة أحوات (2) فوضعوها بين أيديهم فأكل منها آخر الناس كما أكل أولهم. وذكر أبو عبد الله محمد بن علي الترمذي [الحكيم] (3) في " نوادر الأصول " له: حدثنا عمر بن أبي عمر قال حدثنا عمار بن هارون الثقفي عن زكرياء بن حكيم الحنظلي عن علي بن زيد بن جدعان عن أبي عثمان النهدي عن سلمان الفارسي قال: لما سألت الحواريون عيسى بن مريم - صلوات الله وسلامه عليه - المائدة قام فوضع ثياب الصوف ولبس ثياب المسوح - وهو سربال من مسوح أسود ولحاف أسود - فقام فألزق القدم بالقدم وألصق العقب بالعقب والابهام بالابهام، ووضع يده اليمنى على يده اليسرى ثم طأطأ رأسه خاشعا لله ثم أرسل عينيه يبكى حتى جرى الدمع