بيانها، فنزلت هذه الآية رافعة لتلك الأوهام الخيالية، والآراء الفاسدة الباطلية. واختلف في معنى " بهيمة الأنعام " والبهيمة اسم لكل ذي أربع، سميت بذلك لإبهامها من جهة نقص نطقها وفهمها وعدم تمييزها وعقلها، ومنه باب مبهم أي مغلق، وليل بهيم، وبهمة للشجاع الذي لا يدرى من أين يؤتى له. و " الانعام ": الإبل والبقر والغنم، سميت بذلك للين مشيها (1)، قال الله تعالى: " والانعام خلقها لكم فيها دف ء ومنافع " [النحل: 5] إلى قوله: " وتحمل أثقالكم " [النحل: 7] (2)، وقال تعالى: " ومن الانعام حمولة وفرشا " (3) [الانعام: 142] يعني كبارا وصغارا، ثم بينها فقال: " ثمانية أزواج " [الانعام: 143] إلى قوله: " أم كنتم شهداء " [البقرة: 133] وقال تعالى: " وجعل لكم من جلود الانعام بيوتا تستخفونها يوم ظعنكم ويوم إقامتكم ومن أصوافها " (2) [النحل: 80] يعني الغنم " وأوبارها " يعني الإبل " وأشعارها " يعني المعز، فهذه ثلاثة أدلة تنبئ عن تضمن اسم الانعام لهذه الأجناس، الإبل والبقر والغنم، وهو قول ابن عباس والحسن. قال الهروي: وإذا قيل النعم فهو الإبل خاصة. وقال الطبري: وقال قوم " بهيمة الأنعام " وحشيها كالظباء وبقر الوحش والحمر وغير ذلك. وذكره غير الطبري عن السدي والربيع وقتادة والضحاك، كأنه قال: أحلت لكم الانعام، فأضيف الجنس إلى أخص منه. قال ابن عطية: وهذا قول حسن، وذلك أن الانعام هي الثمانية الأزواج، وما انضاف إليها من سائر الحيوان يقال له أنعام بمجموعه معها، وكأن المفترس كالأسد وكل ذي ناب خارج عن حد الانعام، فبهيمة الانعام هي الراعي من ذوات الأربع.
قلت: فعلى هذا يدخل فيها ذوات الحوافر لأنها راعية غير مفترسة وليس كذلك، لان الله تعالى قال: " والانعام خلقها لكم فيها دف ء ومنافع " [النحل: 5] ثم عطف عليها قوله: " والخيل والبغال والحمير " [النحل: 8] فلما استأنف ذكرها وعطفها على الانعام دل على أنها ليست منها، والله أعلم وقيل: " بهيمة الأنعام " ما لم يكن صيدا، لان الصيد يسمى وحشا لا بهيمة، وهذا راجع إلى القول الأول. وروى عن عبد الله بن عمر أنه قال: " بهيمة الأنعام " الأجنة التي تخرج عند الذبح من بطون الأمهات، فهي تؤكل دون ذكاة، وقاله ابن عباس وفيه بعد،