فيه ثلاث مسائل الأولى - قال ابن عباس: هذه الآية نزلت بسبب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل بيت المدراس على جماعة من يهود فدعاهم إلى الله. فقال له نعيم بن عمرو والحارث بن زيد: على أي دين أنت يا محمد؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إني على ملة إبراهيم).
فقالا: فإن إبراهيم كان يهوديا. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (فهلموا إلى التوراة فهي بيننا وبينكم). فأبيا عليه فنزلت الآية. وذكر النقاش أنها نزلت لان جماعة من اليهود أنكروا نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: (هلموا إلى التوراة ففيها صفتي) فأبوا. وقرأ الجمهور " ليحكم " وقرأ أبو جعفر يزيد بن القعقاع " ليحكم " بضم الياء. والقراءة الأولى أحسن، لقوله تعالى: " هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق ".
الثانية - في هذه الآية دليل على وجوب ارتفاع المدعو إلى الحاكم لأنه دعي إلى كتاب الله، فإن لم يفعل كان مخالفا يتعين عليه الزجر بالأدب على قدر المخالف والمخالف.
وهذا الحكم جار عندنا بالأندلس وبلاد المغرب وليس بالديار المصرية. وهذا الحكم الذي ذكرناه مبين في التنزيل في سورة " النور " في قوله تعالى: " وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون " - إلى قوله - بل أولئك هم الظالمون " (1). وأسند الزهري عن الحسن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من دعاه خصمه إلى حاكم من حكام المسلمين فلم يجب فهو ظالم ولا حق له). قال ابن العربي: وهذا حديث باطل. أما قوله " فهو ظالم " فكلام صحيح. وأما قوله " فلا حق له " فلا يصح، ويحتمل أن يريد أنه على غير الحق. قال ابن خويز منداد المالكي: واجب على كل من دعي إلى مجلس الحاكم أن يجيب ما لم يعلم أن الحاكم فاسق، أو يعلم عداؤه (2) من المدعى والمدعى عليه.
الثالثة - وفيها دليل على أن شرائع من قبلنا شريعة لنا إلا ما علمنا نسخه، وأنه يجب علينا الحكم بشرائع الأنبياء قبلنا، على ما يأتي بيانه. وإنما لا نقرأ التوراة ولا نعمل