وعصمة العباد ودفع الخصوم والباطل، ليس لها تصريف ولا تحريف عما وضعن عليه.
والمتشابهات لهن تصريف وتحريف وتأويل، ابتلى الله فيهن العباد، وقاله مجاهد وابن إسحاق.
قال ابن عطية: وهذا أحسن الأقوال في هذه الآية. قال النحاس: أحسن ما قيل في المحكمات، والمتشابهات أن المحكمات ما كان قائما بنفسه لا يحتاج أن يرجع فيه إلى غيره، نحو " لم يكن له كفوا أحد " (1) " وإني لغفار لمن تاب " (2). والمتشابهات نحو " إن الله يغفر الذنوب جميعا " (3) يرجع فيه إلى قوله جل وعلا: " وإني لغفار لمن تاب " وإلى قوله عز وجل: " إن الله لا يغفر أن يشرك به " (4).
قلت: ما قاله النحاس يبين ما اختاره ابن عطية، وهو الجاري على وضع اللسان، وذلك أن المحكم اسم مفعول من أحكم، والاحكام الاتقان، ولا شك في أن ما كان واضح المعنى لا إشكال فيه ولا تردد، إنما يكون كذلك لوضوح مفردات كلماته وإتقان تركيبها، ومتى اختل أحد الامرين جاء التشابه والاشكال. والله أعلم. وقال ابن خويز منداد: للمشابه وجوه، والذي يتعلق به الحكم ما اختلف فيه العلماء أي الآيتين نسخت الأخرى، كقول على وابن عباس في الحامل المتوفى عنها زوجها تعتد أقصى الأجلين. فكان عمر وزيد بن ثابت وابن مسعود وغيرهم يقولون (وضع الحمل) ويقولون: سورة النساء (5) القصرى نسخت أربعة أشهر وعشرا. وكان على وابن عباس يقولان لم تنسخ. وكاختلافهم في الوصية للوارث هل نسخت أم لم تنسخ. وكتعارض الآيتين أيهما أولى أن تقدم إذا لم يعرف النسخ ولم توجد شرائطه، كقوله تعالى: " وأحل لكم ما وراء ذلكم " (6) يقتضى الجمع بين الأقارب من ملك اليمين، وقوله تعالى: " وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف " (6) يمنع ذلك. ومنه أيضا تعارض الاخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم وتعارض الأقيسة، فذلك المتشابه. وليس من المتشابه أن تقرأ الآية بقراءتين ويكون الاسم (7) محتملا أو مجملا يحتاج إلى تفسير لان الواجب منه قدر ما يتناوله الاسم أو جميعه. والقراءتان كالآيتين يجب العمل بموجبهما جميعا، كما قرئ: