سمعت الضحاك يقول في قوله: حتى إذا فزع عن قلوبهم... الآية، زعم ابن مسعود أن الملائكة المعقبات الذين يختلفون إلى الأرض يكتبون أعمالهم، إذا أرسلهم الرب فانحدروا سمع لهم صوت شديد، فيحسب الذين هم أسفل منهم من الملائكة أنه من أمر الساعة، فخروا سجدا، وهكذا كلما مروا عليهم يفعلون ذلك من خوف ربهم.
وقال آخرون: بل الموصوفون بذلك المشركون، قالوا: وإنما يفزع الشيطان عن قلوبهم قال: وإنما يقولون: ماذا قال ربكم عند نزول المنية بهم. ذكر من قال ذلك:
22047 حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله:
حتى إذا فزع عن قلوبهم قال: فزع الشيطان عن قلوبهم وفارقهم وأمانيهم، وما كان يضلهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق وهو العلي الكبير قال: وهذا في بني آدم، وهذا عند الموت أقروا به حين لم ينفعهم الاقرار.
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب، القول الذي ذكره الشعبي، عن ابن مسعود لصحة الخبر الذي ذكرناه عن ابن عباس، عن رسول الله (ص) بتأييده. وإذ كان ذلك كذلك، فمعنى الكلام: لا تنفع الشفاعة عنده، إلا لمن أذن له أن يشفع عنده، فإذا أذن الله لمن أذن له أن يشفع فزع لسماعه إذنه، حتى إذ فزع عن قلوبهم، فجلي عنها، وكشف الفزع عنهم، قالوا:
ماذا قال ربكم؟ قالت الملائكة: الحق، وهو العلي على كل شئ الكبير الذي لا شئ دونه. والعرب تستعمل فزع في معنيين، فتقول للشجاع الذي به تنزل الأمور التي يفزع منها: وهو مفزع وتقول للجبان الذي يفزع من كل شئ: إنه لمفزع، وكذلك تقول للرجل الذي يقضي له الناس في الأمور بالغلبة على من نازله فيها: هو مغلب وإذا أريد به هذا المعنى كان غالبا وتقول للرجل أيضا الذي هو مغلوب أبدا: مغلب.
وقد اختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء الأمصار أجمعون: فزع بالزاي والعين على التأويل الذي ذكرناه عن ابن مسعود ومن قال بقوله في ذلك. وروي عن الحسن أنه قرأ ذلك: حتى إذا فزع عن قلوبهم بالراء والغين على التأويل الذي ذكرناه عن ابن زيد. وقد يحتمل توجيه معنى قراءة الحسن ذلك كذلك، إلى حتى إذا فرغ عن قلوبهم فصارت فارغة من الفزع الذي كان حل بها. ذكر عن مجاهد أنه قرأ ذلك: فزع بمعنى:
كشف الله الفزع عنها.
والصواب من القراءة في ذلك القراءة بالزاي والعين لاجماع الحجة من القراء وأهل التأويل عليها، ولصحة الخبر الذي ذكرناه عن رسول الله (ص) بتأييدها، والدلالة على