بالمرسل إليه، ويستلزم ذلك نزول الملك إليه وتجدد العهد به وتقوية أمله في النصر، واستهانته بما يستجد ويتعاقب من محن ومشاكل.
ولهذا نجد أن القرآن ينزل مسليا للنبي مرة بعد مرة مهونا عليه الشدائد كلما وقع في محنة، يأمره تارة بالصبر أمرا صريحا، فيقول: ﴿واصبر على ما يقولون واهجرهم هجرا جميلا﴾ (١) وينهاه تارة أخرى عن الحزن كما في قوله: ﴿ولا يحزنك قولهم ان العزة لله جميعا﴾ (٢) ويذكره بسيرة الأنبياء الذين تقدموه من اولي العزم، فيقول: ﴿... فأصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل...﴾ (3) ويخفف عنه أحيانا، ويعلمه ان الكافرين لا يجرحون شخصه ولا يتهمونه بالكذب لذاته، وانما يعاندون الحق بغيا كما هو شأن الجاحدين في كل عصر كما في قوله: (قد نعلم أنه ليحزنك الذي يقولون فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون) (4).
3 - إن القرآن الكريم ليس كتابا كسائر الكتب التي تؤلف للتعليم والبحث العلمي، وانما هو عملية تغيير الانسان تغييرا شاملا كاملا في عقله وروحه وإرادته، وهدفه الأساس هو صنع أمة وبناء حضارة، وهذا العمل لا يمكن ان يوجد مرة واحدة وانما هو عمل تدريجي بطبيعته، ولهذا كان من الضروري ان ينزل القرآن الكريم تدريجا، ليحكم عملية البناء وينشئ أساسا بعد أساس، ويجتذ جذور الجاهلية ورواسبها بأناة وحكمة.
وعلى أساس هذه الأناة والحكمة في عملية التغيير والبناء نجد أن الاسلام تدرج في علاج القضايا العميقة بجذورها في نفس الفرد أو نفس المجتمع، وقاوم