وكان لهذا التدرج في انزاله أثر كبير في تحقيق أهدافه وإنجاح الدعوة وبناء الأمة.
كما أنه كان آية من آيات الاعجاز في القرآن الكريم، ويتضح كل ذلك في النقاط التالية:
١ - مرت على النبي والدعوة حالات مختلفة جدا خلال ثلاث وعشرين سنة، تبعا لما مرت به الدعوة من محن وقاسته من شدائد وما أحرزته من انتصار وسجلته من تقدم، وهي حالات يتفاعل معها الانسان الاعتيادي وتنعكس على روحه وأقواله وأفعاله ويتأثر بأسبابها وظروفها والعوامل المؤثرة فيها، ولكن القرآن الذي واكب تلك السنين بمختلف حالاتها في الضعف والقوة، في العسر واليسر، في لحظات الهزيمة ولحظات الانتصار، والتنزيل تدريجا خلال تلك الأعوام كان يسير دائما على خطه الرفيع لم ينعكس عليه أي لون من ألوان الانفعال البشري الذي تثيره تلك الحالات.
وهذا من مظاهر الاعجاز في القرآن التي تبرهن على تنزيله من لدن علي حكيم، حيث لا يمكن ان توجد الانفعالات أو التأثيرات الأرضية على الذات الإلهية، ولم يكن القرآن ليحصل على هذا البرهان لولا انزاله تدريجا في ظروف مختلفة وأحوال متعددة (١).
٢ - إن القرآن بتنزيله تدريجا كان امدادا معنويا مستمرا للنبي (صلى الله عليه وآله) كما قال الله تعالى: ﴿وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلا﴾ (2).
فإن الوحي إذا كان يتجدد في كل حادثة كان أقوى للقلب وأشد عناية