التردد في الدلالة على المعنى.
وحين يعجز الاتجاه عن تحديد موقفه من هذه الآيات نجد النقطة الرابعة غير واردة في المحكم والمتشابه، وقد يتشبث هذا الاتجاه بالمذهب الذي يقول بضرورة ان تكون جميع الآيات القرآنية ظاهرة في معان معينة، على أساس أن القرآن الكريم كتاب هدى ونور مبين، وحينئذ فلا يبقى مجال لمثل هذه الفرضية في آيات القرآن الكريم.
ولكن هذه الضرورة القرآنية انما يلتزم بها في الحدود التي تقول بعدم وجود آية قرآنية غامضة بشكل مطلق، بحيث لا يوجد في القرآن ما يوضحها ويفسرها، والا فمن الممكن الالتزام بوجود آيات قرآنية مجملة الدلالة - من ناحية مفهومها اللغوي - مع الالتزام بوجود ما يوضحها في القرآن الكريم نفسه، وهذا الالتزام لا يزيد عن الالتزام - من حيث الروح - عن الالتزام الذي آمن به هذا الاتجاه بان يكون اللفظ ظاهرا في معنى مريب يفسره المحكم.
وبعد هذا لا مجال لادعاء أن الآية المتشابهة لا بد وأن تكون ظاهرة في معنى، إذ يكشف هذا عن التزام غريب من القرآن الكريم، يتلخص في أنه كلما أراد معنى غير مريب من لفظ غير ظاهر فيه يستعمل لفظا ظاهرا في معنى مريب، ويكشف عن ارادته للمعنى غير المريب بواسطة المحكم، دون ان يستعمل اللفظ في معنى مردد بين المريب وغير المريب، ويكشف عن هذا التردد بواسطة المحكم.
وثانيا: إن هذا الاتجاه يلتزم بضرورة قيام الآية المحكمة بدور احكام الآية المتشابهة بعد ارجاعها إليها، مع أن الآية المحكمة لا تقوم الا بدور تضييق نطاق تصور المعنى في الآية المتشابهة، في ضوء ما تعطيه الآية المحكمة من معنى، لا ان تجعل من الآية المتشابهة آية محكمة، بشكل تتحدد صورة معناها ويتجسد مصداقه.